للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أهلها قوماً جبارين ذَوِي خَلْقٍ هَائِلَةٍ وَقُوًى شَدِيدَةٍ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ وَلَا مُصَاوَلَتِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُنَا الدُّخُولُ إِلَيْهَا مَا دَامُوا فِيهَا، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا دَخَلْنَاهَا، وَإِلَّا فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ.

وقوله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} أي فلما نكل بنوا إسائيل عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِ اللَّهِ مُوسَى حرضهم رجلان، لله عليهما معمة عَظِيمَةٌ وَهُمَا مِمَّنْ يَخَافُ أَمْرَ اللَّهِ وَيَخْشَى عِقَابَهُ وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} أَيْ مِمَّنْ لَهُمْ مَهَابَةٌ وَمَوْضِعٌ مِنَ النَّاسِ، وَيُقَالُ إِنَّهُمَا (يُوشَعُ بْنُ نُونٍ) وَ (كالب بن يوفنا) (ضبط في سفر العدد: يفنه: بفتح الياء وضم الفاء، وتشديد النون، وقال السهيلي: إنهما يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف عليه السلام، والآخر: كوطت بن يوفنا. قال: وأحسبه من سبط يهوذا بن يعقوب. وقال: ويوشع هو الذي حارب الجبارين. واختلف: أكان موسى معه في تلك الغزاة أم لا؟ وفيها حبست عليه الشمس حتى دخل المدينة، وفيها أحرق الذي وجد الغلول عنده في مكان يقال له غور عاجر، عرف باسم الرجل الغال. كما ذكره الطبري)؛ قاله ابن عباس ومجاهد عكرمة وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، فَقَالَا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ * وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي إن تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ وَاتَّبَعْتُمْ أَمْرَهُ وَوَافَقْتُمْ رَسُولَهُ، نَصَرَكُمُ اللَّهُ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَأَيَّدَكُمْ وَظَفَّرَكُمْ بِهِمْ، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم؛ فلم ينفع ذلك فِيهِمْ شَيْئًا {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا ههنا قَاعِدُونَ}، وَهَذَا نُكُولٌ مِنْهُمْ عَنِ الْجِهَادِ وَمُخَالَفَةٌ لِرَسُولِهِمْ، وَتَخَلُّفٌ عَنْ مُقَاتَلَةِ الْأَعْدَاءِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمَّا نَكَلُوا عَلَى الْجِهَادِ، وَعَزَمُوا عَلَى الِانْصِرَافِ والرجوع إلى مصر، سجد موسى وهرون عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قُدَّامَ مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِعْظَامًا لِمَا هَمُّوا بِهِ، وَشَقَّ يُوشَعُ بْنُ نون وكالب بْنُ يُوفِنَا ثِيَابَهُمَا، وَلَامَا قَوْمَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ رَجَمُوهُمَا، وَجَرَى أَمْرٌ عَظِيمٌ وَخَطَرٌ جَلِيلٌ.

وَمَا أَحْسَنَ مَا أَجَابَ بِهِ الصَّحَابَةُ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ اسْتَشَارَهُمْ فِي قتال النفير فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَحْسَنَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَشِيرُوا عليَّ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ» وَمَا يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا لِيَسْتَعْلِمَ مَا عِنْدَ الْأَنْصَارِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا جُمْهُورَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ معاذ: كَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لصُبرٌ فِي الحرب، صُدق (صبر وصدق بضمتين فيها جمع صبور وصدوق) في اللقاء لعل اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ سعد ونشطه ذلك. وممن أَجَابَ يَوْمَئِذٍ (الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ) رَضِيَ الله عنه، كَمَا قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ أَنَا صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بنوا إسرائيل لموسى {اذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إنا ها هنا قَاعِدُونَ} وَلَكُنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ يَسَارِكَ وَمِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشرق لذلك وسره ذلك، وهكذا رواه البخاري في المغازي، وَلَفْظُهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ، قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بِدْرٍ، يَا رَسُولَ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>