ثمّ شهق شهقةً توهّمت أنّها غشية فتنحّيت عنه، ودنت العجوز فوجدته قد قضى نحبه. فما برحنا حتّى دفنّاه.
وبلغ العشق أيضاً مجنون عامر إلى ما ذكرناه في موضعه. قال بعضهم: سمعت أعرابيّةً تطوف وهي تقول اللهمّ مالك يوم القضا، وخالق الأرض والسّماء، ارحم أهل الهوى، وأنقذهم من عظيم البلا، فإنّك تسمع النّجوى، قريبٌ لمن دعا. ثمّ أنشأت تقول:
يا ربّ إنّك ذو منٍّ وذو سعةٍ ... دارك بعافيةٍ منك المحبّينا
الذّاكرين الهوى من بعد ما رقدوا ... حتّى نراهم على الأيدي مكبّينا
فقلت لها: يا هذه أيقال هذا في الطّواف؟ فقالت: إليك عنّي، لا يرهقك الحبّ. فقلت: وما الحبّ؟ فقالت: جلّ أن يخفى، ودقّ على أن يرى: له كمونٌ ككمون النّار في الحجر، إن قدحته أروى، وإن تركته توارى. قال: فتبعتها حتّى عرفت منزلها، فلمّا