٤٤٩٣ - (الرؤيا) بالقصر مصدر كالبشرى مختصة غالبا بشيء محبوب يرى مناما كذا قاله جمع وقال آخرون: الرؤيا كالرؤية جعل ألف التأنيث فيها مكان تاء التأنيث للفرق بين ما يراه النائم واليقظان وقال ابن عربي: للإنسان حالان حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة وفي كليهما جعل الله له إدراكا يدرك به الأشياء يسمى ذلك الإدراك في اليقظة حسا ويسمى في النوم حسا مشتركا فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية وكل ما تدركه في النوم يسمى رؤيا مقصور وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما يضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس وهو نوعان إما إدراك صوته في الحس وإما إدراك أجزاء كل الصورة التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقته فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر الذي فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته فلا يدركه في النوم أبدا فالأصل الحس والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك وقد يتقوى الأمر على بعضهم فيدرك في اليقظة ما يدرك في النوم وذلك نادر وهو لأهل الطريق من نبي وولي (الصالحة (١)) أي المنتظمة الواقعة على شروطها الصحيحة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه على غفلة. وقال الكرماني: الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم ومخصصة والصلاح باعتبار صورتها أو تعبيرها (من الله) أي بشرى منه تعالى وتحذير وإنذار ذكره القرطبي قال الكرماني: حقيقة الرؤيا الصالحة أنه تعالى يخلق في قلب النائم أو حواسه الأشياء كما يخلقها في اليقظان فيقع ذلك ⦗٤٥⦘ في اليقظة كما رآه وربما جعل علما على أمور يخلقها الله أو خلقها فتقع تلك كما جعل الله تعالى الغيم علامة على المطر (والحلم) بضم فسكون أو بضمتين وهو الرؤيا غير الصالحة (من الشيطان) أي من وسوسته فهو الذي يرى ذلك للإنسان ليحزنه بسوء ظنه بربه وقال التوربشتي: الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما من الاصطلاحات الشرعية التي لم يعطها بليغ ولم يهتد إليها حكيم بل سنها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الحلم عبارة عما من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في نومه من قضاء الشهوة بما لا حقيقة له (فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث) بضم الفاء وكسرها (حين يستيقظ عن يساره ثلاثا) كراهة للرؤيا وتحقيرا للشيطان واستقذارا له وخص اليسار لأنها محل الأقذار (وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره) إذا التجأ إلى الله فلا يصيبه شيء ببركة صدق الالتجاء إليه وامتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرفع الله البلايا بالصدقة وكل ذلك لقضاء وقدر لكن الأسباب والوسائط عاديات لا موجودات. قال ابن حجر: ورد في صيغة التعوذ أثر صحيح " أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني أو دنياي " <تنبيه> قال ابن نفيس في الشامل: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول بأن يكثر تبخيره أو تدخينه فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو ينفتح حال النوم حرك الدماغ عن أوضاعه فيعرض عنه اختلاط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها في بعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس التي يدرك بها تلك الصورة ويلزم ذلك أريحكم على تلك الصور بمعاني تناسبها فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام مشوشة فاسدة وقد يحدث الأحلام لأمر مهم يتفكر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة فيه وهذا كالصانع والمفكر في العلوم وكثيرا ما يكون الفكر صحيحا لأن القوة تكون قويت مما عرض لها من الراحة ولتوفر الأرواح على القوى الباطنية ولذلك كثيرا ما يتخيل حينئذ مسائل لم تخطر بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة ولذلك الشعراء يندر صحة أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل بما لا حقيقة له وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اه. <تنبيه> ذكر الحكيم الترمذي أن سبب الرؤيا أن الإنسان إذا نام سطع نور النفس حتى يجول في الدنيا ويصعد إلى الملكوت فيعاني الأشياء ثم يرجع إلى معدنه فإن وجد مهلة عرض على العقل والعقل يستودع لحفظ ذلك
(ق د ت عن أبي قتادة)
(١) قال القاضي يحتمل أن معنى الصالحة والحسنة حسن ظاهرها ويحتمل أن المراد صحتها قال: ورؤيا السوء تحتمل الوجهين أيضا سوء الظاهر وسوء التأويل