ومهما يكن في هذه الطفرة من انحراف جذري لم نر معه اليابان يتطور في نطاق التضامن الإفريقي الآسيوي، بل على العكس نراه يتطور إلى دولة استعمارية، مندفعة في هذا الاتجاه بنزوع الروح القيصريه التي كانت تسيطر على الثقافة والسياسة في اليابان، الروح الذي يمثل في شخص الميكادو وفي شخصية الساموراي؛ ولكن على الرغم من هذا الإنحراف يبقى في تطور اليابان دلالة واضحة، على أن كل تغيير يحدث في الاوضاع الاجتماعية في صورة بناء حضارة، يؤدي حتما إلى تغيير في طبيعة العلاقات السياسية بين المحورين، كما يدل على ذلك مرة أخرى تاريخ اليابان، عندما نزلت بأرضه الجيوش الاجنبية على أثر الحرب العالمية الثانية، إنها نزلت للاحتلال العسكري، لا من أجل الاستغلال الإستعماري، لأن العهد الميجي قد محا نهائياً من النفس اليابانية، كل الاستعدادات السلبية التي نسميها القابلية للاستعمار.
فالطريقة إذن ناجحة مع التعديل الضروري، حتى لا تنجر الشعوب الإفريقية الآسيوية إلى انحراف اليابان الذي نشير إليه.
والطريقة تكون ناجحة بالنسبة إلى الشعوب الإفريقية الآسيوية من نواح متعددة، لأنها ترفع أولاً قيمة التضامن الإفريقي الآسيوي، من مستوى المفهوم السياسي المحدود الإشعاع، لأنه يخص في كل بلد القيادة السياسية، إلى مستوى المفهوم المطلق الذي لا يخص إشعاعه طائفة معينة، بل كل الأفراد في المجتمع الذي تبق فيه الحضارة بما فيهم الراعي ورجل العلم.
والحضارة تحقق هذا الشمول من وجهتين:
١ - من الوجهة الديناميكية أولا، لأنها بوصفها فكرة سوف تضيف إلى الأسباب الناشئة على المحور الشمالي، التي تكوّن وحدها تقريباً كما بينا مضمون التضامن الإفريقي الآسيوي اليوم، تضيف إليها الأسباب الناشئة على المحور الجنوبي، التي بقيت تقريباً خارج هذا المضمون.