والآن يمكننا تفسير الحرمان الشامل الذي يطبع اليوم حياة الإنسان من طنجة إلى جاكرتا وتفسير عجز هذا الإنسان في مواجهة المشكلات العادية كما سبق أن بينا.
فمن البديهي إذن القول إن الإنسان الإفريقي الآسيوي يواجه اليوم أزمة حضارة، يجب عليه أن يحققها على محور تاريخه، أي أن يحقق وضعاً عاماً يتفق مع الشروط الفنية، التي من شأنها أن تخوله الضمانات الاجتماعية، التي يتمتع بها إنسان المحور الشمالي، فيتغير بذلك وضع الحياة البشرية من طنجة إلى جاكرتا، وتتغير معه كل القيم الحضارية، وينتج بالتالي تغيير كلي في طبيعة العلاقات ذاتها، بين المحورين تلك العلاقات التي يمكننا وصفها اليوم سياسياً وإقتصادياً واجتماعيا، بأنها علاقات الإستعمار بالقابلية للاستعمار، وعلاقات الإنتاج الصناعي بالزراعة والمادة الخام، وعلاقات مشكلات القوة بمشكلات البقاء، فتتغير هذه العلاقات حتى لا يبقى الحوار التاريخي بين الطرفين حواراً بين سيد ومسود، بين قوي وضعيف، بين متحضر دون مستوى الإنسانية الأخلاقي، ومتخلف دون مستوى الحضارة الاجتماعي، لأن كل تغيير اجتماعي على محور طنجة جاكرتا، يفرض تغييراً أخلاقياً وسياسيا على محور واشنطن موسكو، كما يمكننا أن ندرك ذلك من خلال تاريخ اليابان الحديث، إذ نراه على أثر الهجوم الإستعماري سنة ١٨٥٣ يبادر منذ بداية العهد اليجي سنة ١٨٦٨ بتغيير كل أوضاعه الاجتماعية بدخوله في دور حضارة جديدة. وإذا بهذا التغيير الداخلي يغير كل علاقاته السياسية بمحور القوة. فتأتي دول هذا المحور ترغب في صداقة ومحالفة الميكادو، وتعد إنجلترا معه فعلاً معاهدة صداقة دامت بين الدولتين ولم تلغها بريطانيا إلا سنة ١٩٢٥. بعد أن كان لها أثرها الفعال في الحرب العالمية الأولى.
وبعد ما بدأت المنافسة الإقتصادية القاسية التي شرع فيها اليابان، عندما اكتسح أسواق جنوب آسيا، وهدد مراكز بريطانيا الإقتصادية في تلك النواحي، بما أطلق عليه الدنبنج الياباني Dumping.