تخص المصير المشترك الذي يخيم من طنجة إلى جاكرتا، وفي وضع عام يسود على طول هذا الخط وقد يسميه بعض الدارسين (التخلف)؛ وهو على كل حال وضع الفرد المحروم من الضمانات الاجتماعية، في نطاق وحدة تاريخية اجتماعية، تتجلى في النموذج الاجتماعي الذي اكتشفه زائر السماء على المحور الجنوبي.
ثم إننا مضطرون إلى أن نلاحظ أن هذا الوضع العام، وهذه الوحدة التي تفرض قانونها على مصير الفرد، مستقلان عن الظروف السياسية، والحدود القومية، والإطارات العنصرية، باعتبار أنها في مكان معين تتغير مع الزمن، وفي زمن معين تتغير حسب المحور الجغرافي.
فلو أننا- علاوة على الظروف التي تحدد مكانها بالنسبة لمحور أو لآخر- نأخذ
في اعتبارنا طبيعة العلاقة التي تربط حياة الفرد بهاته الوحدة، نكون مضطرين، بسبب خاصتها الجغرافية التاريخية وطابعها الاجتماعي، فيما يتعلق بالحتمية التي تفرضها على حياة الفرد المرتبط بها، ونكون مضطرين على اعتبار هاته (الوحدة) - التي لاحظها زائر السماء في صورتها القشرية، دون أن يفسرها لأنه يجهل ظروف الأرض- هي مجموعة الشروط التي تكون في المكان وفي الزمان حضارة معينة، أي الحضارة التي تطبع جميع حقائقها الثقافية، وخصائصها الأخلاقية والجمالية والصناعية، في أسلوب حياة يشمل النظر الإنساني، ويحدد سلوك النموذج الاجتماعي الذي يتحرك فيه.
وعليه فكل تفكير في مشكلة الإنسان بالنسبة إلى حظه في الحياة، هو في أساسه تفكير في مشكلة الحضارة، والمشكلة القائمة من طنجة إلى جاكارتا، وهي في جوهرها مشكلة حضارة، وهذا هو ما يفسر التغيير الجذري، الذي يشعر به زائر السماء عندما ينتقل من المحور الشمالي إلى المحور الجنوبي، فيرى الإنسان المعطل والتراب المعطَّل والوقت التائه، إنه يرى في الواقع حضارة معطلة، أو كما نقول بمصطلح العصر: إنه يرى مجتمعات متخلفة.