للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد تجربة ثلانين سنة، أرى أننا ما حصلنا طائلاً في وضعنا المشكلات تحت هذه العناوين البديهية، ذلك لأننا لم نضع المشكلات في وضعها الصحيح، ولم نتأملها في جوهرها؛ فإن جوهر المشكلات ليست في حوادث خارجية. فنحن إذا تصورنا المشكلات في إطار اجتماعي فقلنا هي الجهل، أو في إطار إقتصادي فقلنا هي الفقر، أو في إطار سياسي فقلنا هي الإستعمار، فإننا في هذا كله إنما نبحث نتائج لأسباب سابقة أصولها في أنفسنا. ومن هنا كان الضعف في ثمرات أعمالنا وجهادنا وكفاحنا المرير، إذ هي ثمرات لا تقنعنا في النهاية.

فإذا ما وضعت مشكلة ما تحت عنوان فقر، فإنني خلال الطريق يأتيني أخ كريم ويقول لي مثلاً: والله إننا نتمنى أن تكون هناك هيئات علمية تقوم بنشر الأفكار والثقافة، وبتشجيع الجانب الفني في نهضتنا. فهذه المشكلة يمكن أن نضعها تحت عنوان فقر، فنقول إننا لا نستطيع ذلك لأننا فقراء، غير أنه سرعان ما يعقب الأخ ويقول لنا- وهنا صورة أخرى لمشكلة- إن أثرياءنا الذين بأيديهم ثروات طائلة، يصرفونها في اللهو ويبخلون بالقرش في سبيل حل هذه المشكلة؛ فهل نضع هنا المشكلة تحت عنوان فقر، أو تحت عنوان ثروة لا نحسن التصرف بها؟ المشكلة هنا مزدوجة. فأحياناً تضطرنا الظروف أن نجعلها عنوانما فقر، وأحياناً حينها نستمع إلى الأخ نجعلها تحت عنوان ثروة معطلة.

فالقضية إذن ليست قضية إمكانيات، ليست قضية فقر أو غنى، لأننا

لو قدمنا عنوان الغنى فإننا سنستمر عشر خطوات، فتضطرنا الظروف أن نجعل المشكلة تحت عنوان فقر، فنحن إذن في مناقضة ضرورية لأن تفكيرنا لم يتصل بجوهر القضية.

فما هي القضية إذن؟ إن القضية سواء كانت في إطار إقتصادي أو إطار اجتماعي أو إطار سياسي تتصل بموقفنا نحن أفراداً. تتصل بموقفي مواطناً أمام المشكلات، إنني عاجز عن صياغتها فكرياً، وإذا صيغت فكرياً بصورة ما فإنني

<<  <   >  >>