للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المجتمع الإنساني، فإن هذا المجتمع قد أصبح يفرض كيانه اليوم. ولعلنا كنا من قبل هذا التاريخ لا نشعر بحتمية هذا المجتمع ولا باتصاله في حياتنا اتصالاً دقيقاً، أما اليوم فإننا بمجرد الضغط على زر في جهاز الراديو نستطيع أن نسمع صوت موسكو وواشنطن والعالم أجمع، فكأنه بهذا قد وقع بيني وبين العالم صلة شخصية. وهذه الصلة الشخصية ليست صلة معنوية فحسب، ولكنها صلة إقتصادية أيضاً، فإن ظروفنا الإقتصادية الكبرى تخضع اليوم لقوانين عالمية، فالقضايا الحيوية كقضية السلام أو الحرب، لا تتعلق برأي مسيو خروتشوف أو رأي أيزنهاور، وإنما تتعلق بكياني أنا بوصفي فرداً مسلماً جزائرياً عربياً إلخ ..

فأنا إذن أواجه دائماً وفي كل لحظة من حياتي المشكلات من نوعين: مشكلة المواطن ومشكلة الإنسان.

غير أن الحياة لا تخطئ في صياغة المشاكل، لأنها تأتي بالنتائج طبقاً للمسببات. ولكنني بعد تجربة طويلة أشعر للأسف بأنني أخطئ في فهم المشكلات، أخطئ في نطاق جوهر المشكلات.

ولقد نتج عن هذا أنني أواجه المشكلات وخاصة مشكلاتي بصفتي مواطناً ببديهيات: فأجمع المشكلات تحت عناوين مسبقة. إنه قد أصبح من الشائع في صحافتنا وكتبنا التكلم مثلاً عن الفقر في البلاد المتخلفة، ونحن بالطبع قطعة من هذه البلاد، فنجعل عدداً معيناً من المشكلات التي تواجهنا يومياً تحت عنوان الفقر، ثم نقتنع بهذا صياغة للمشكلة، واقتناعنا هذا يؤدي إلى حل ضمني، فكلمة فقر تقابلها كلمة غنى؛ ثم نجعل عدداً آخر من المشكلات تحت عنوان آخر هو الجهل مثلا، والحل المتبادر إلى الذهن هنا العلم. وكذلك المشاكل التي نضعها تحت عنوان الإستعمار فإن علاجه ما يناقضه من الاستقلال. فنقتنع هكذا بهذه الصياغة السهلة لمشكلات وبالحل البديهي لها.

ولكن النظرة الفاحصة تكشف لنا عن ضعف الحلول. ودليل ضعفها أنني

<<  <   >  >>