نفقته ولحسابه أو لحساب من يهمه الأمر. فأرسلت نسخة من الكتاب مع التفاصيل اللازمة إلى ملك عربي أعلم أنه كان يتقرب إلى الله. وأخرى إلى ملك آخر كان يبدي حبه للكتب والكتاب. وزدت على ذلك أنني سلمت عدداً لا بأس به من النسخ إلى بعض السفارات الإسلامية والعربية في باريس، وانتظرت وطال الانتظار، ومرت أكثر من عشر سنوات، ولكن دون أن يأتيني رد من تلك الأطراف العالية، ولا من تلك السفارات، ودون أن تظهر ترجمة الكتاب في السوق.
فالتجربة هذه قد عشتها بنفسي، عشتها بفكري مرات، لأنني كلما وضعت مشكلة الثقافة أمام عيني عادت تفاصيلها إلى ذهني. وهي في كل مرة تزداد تفاصيلها وضوحا، وأرى فيها جانباً من المشكلة مفيدا لا يسعني طرحه منها مهما يكن من سلبيته.
فهي تعبر عن اختلال واضح في الحياة الثقافية في البلاد الإسلامية العربية، تعبر عن افتقارنا لبعض الشروط الأولية البسيطة، افتقاراً لا يوجد معه في هذا المجتمع شبكة للعلاقات الثقافية اللازمة تحيا فيها الأفكار، كما لا يوجد فيه الدفء الإنساني الذي يشعر به الكاتب، حينما يأتيه على الأقل جواب شكر يشجعه على المثابرة، في حين أن هذين الشرطين أساسيان للحياة الثقافية في أي بلد؛ غير أني لن أهتم في حديثي هنا إلا بتوضيح الشرط الأول الذي يتضمن قيماً اجتماعية، يمكن أن ندرك أهميتها من وجهة فنية، كما يمكن لنا أن نتخذ للدلالة على أهميتها مقاييس من حوادث التاريخ.
إن عصر النهضة في أوربا يزخر ببعض المظاهر ذات الدلالة في الموضوع.
فالمطبعة مثلا حينما استوطنت البلاد الأوربية على يد (غوتنبرغ) أحدثت فيها مشاريع مطبعية هأمة. أسهمت في صورة مباشرة في تعميم العلم ونشر الأفكار، ومن بين تلك المشاريع مشروع طبع (كتاب العهد القديم).