فقد قامت بطبعه مطبعة يشرف عليها في مدينة (أنفرس) ببلجيكا مستوطن فرنسي، تخصص في الطباعة العلمية المتقنة. ولقد كانت هذه المحاولة تهدف إلى نشر الكتاب المقدس باللغات القديمة، التي كتبتها ونطقت بها الأجيال في صدر المسيحية: مثل الآرامية والسريانية واليونانية واللاتينية. ومن الطبيعي أن مثل هذا المشروع يعتمد على مشاركة علماء هذه اللغات في تنفيذه. وهكذا اشترك فعلاً علماء من روما ومدريد ولندن وباريس وبرلين حتى أنجزوا العمل.
فلو أننا رسمنا خريطة نحدد فيها بلاد العلماء المشتركين في هذا المشروع،
فإننا نرى مدينة (أنفرس) من خلال إنجاز المشروع قد أصبحت وكأنها مركز هاتفي، تصل إليه من مختلف البلاد الأوربية خطوط تمثل شبكة الاتصالات الهاتفية، وصورة العلاقات هذه التي ربطها مشروع نشر ما يسمى طبعة اللغات من كتاب (العهد القديم)، هي في الواقع صورة لشبكة الثقافة في عصر النهضة مرسومة على الخريطة.
على أننا لو تساءلنا اليوم: هل تغيرت هذه الصورة في القرن العشرين،
نرى أن الجواب سوف يكون بالنفي. ودليلنا على ذلك أننا لو وضعنا مكان طبعة كتاب العهد القديم إنتاجاً فكرياً آخر كجهاز الراديو مثلاً، فإننا لا نرى على الخريطة شيئاً يختلف كثيرا في خريطة العلاقات التي أنتجت جهاز الراديو، عن صورة العلاقات التي أنتجت طبعة اللغات للعهد القديم. فهي الخريطة نفسها تمثل شبكة العلاقات الثقافية في البلاد الاوربية.
وهكذا فإنني حينما أقيس الآن تجربتي الشخصية بهذا القياس الذي استعرته
من الحضارة الغربية، فإنني أرى فيها ما يشير إلى أن شبكة العلاقات الثقافية لم تتكون بعد في المجتمع الإسلامي.
وإن محاولتي البسيطة في ترجمة أحد كتبي لا تدل على فقدان هذا الشرط