والأشياء. فالرجل العالم قد يكون عنده إلمام بالمشكلة كفكرة، غير أنه لا يجد في نفسه الدوافع التي تجعله يتصورها عملاً. في حين أن الرجل المثقف يرى نفسه مدفوعاً بالمبدأ الأخلاقي الذي يكون أساس ثقافته إلى عمليتين: عملية هي مجرد علم، وعملية أخرى فيها تنفيذ وعمل. وبهذا يتضح لنا الخلاف الجوهري الذي يفسر لنا الصورة التي أوردتها شاهداً في صدر هذا الحديث (١).
غير أن المبدأ الأخلاقي في الثقافة لا يحدد الصلات داخل عالم الأشخاص فقط فيغذي فيه نزعته الإنسانية، بل نراه يبعث بإشعاعه إلى الخارج لتشمل نزعته الإنسانية أحياناً عالم الحيوان الذي يعيش مع الإنسان. فنجد في المجتمع المثقف شعراً رقيقا يعبر عن عواطف الإنسان إزاء رفيقه غير الناطق، كما نجد فناً يحاول أن يترجم بالنحت أو بالريشة عن عواطف الحيوان، كما يحدث في أحيان أخرى مبالغات في هذا الاتجاه حينما نرى مطاعم للكلاب وحمامات ومقابر. وهذه المبالغات تعبر في الواقع عن انحراف يحدث في المبدأ الأخلاقي لسبب سوف نحلله فيما بعد.
على أن الصلات الاجتماعية لا يحددها المبدأ الأخلاقي فقط بل إن الذوق الفطري يجعلها في صورة معينة. تتدخل فيها الاعتبارات الشكلية. ونحن نجد في أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من مرة أثر هذه الاعتبارات. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد أن ينقل حقيقة إلى من حوله، فنراه يعبر عنها أحياناً بصورة تتفق مع ما يتطلبه الذوق.
والإعتبارات الأخيرة هذه تعبر عن الأساس الثاني الذي تقوم عليه الثقافة، أعني ذوق الجمال الذي يطبع الصلات الاجتماعية بطابع خاص. فهو يضفي على
(١) نستطيع أن ندرك معنى فعالية المبدأ الأخلاقي في المجتمع حيث يدفع إلى تحقيق الأشياء من الآية التي يصف الله بها المؤمنين فيقرل: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [الموًمنون ٦٢/ ٢٣].