الأشياء الصورة التي تتفق مع الحساسية والذوق العام ألواناً وأشكالا. فإذا كان المبدأ الأخلاقي يقرر الاتجاه العام للمجتمع بتحديد الدوافع والغايات، فإن ذوق الجمال هو الذي يصوغ صورته. وهنا وجه آخر للفرق بين العلم والثقافة: فإن الأول تنتهي عمليته عند إنشاء الأشياء وفهمها، بينما الثانية تستمر في تجميل الأشياء وتحسينها. ومن هذه الناحية يعد ذوق الجمال من أهم العناصر الديناميكية في الثقافة، لأنه يحرك الهمم إلى ما هو أبعد من مجرد المصلحة، وهو في الوقت نفسه يحقق شرطاً من أهم شروط الفعالية، لأنه يضيف إلى الواقع الأخلاقي عند الفرد دوافع إيجابية أخرى، من شأنها أحياناً أن تعدل من بعض الدوافع السلبية، التي ربما يخلقها المبدأ الأخلاقي الجاف في سلوك الفرد، حينما يصطدم هذا السلوك الصادر عن مبدأ أخلاقي مجرد من الحساسية الإنسانية مع الذوق العام، كما تدلنا على ذلك بعض الأحاديث التي لا تعبر عن حقيقة الأشياء فقط، ولكن تعبر عنها في صورة مقبولة أيضا.
ونحن أيضاً نرى خلال مشاهداتنا اليومية أن كل نوع من النشاط يقوم على أساس الحركة. والتاريخ نفسه ليس إلا قائمة إحصائية لعدد معين من الحركات والأفكار، ولذلك فإنه من البديهي أن المجتمع الذي يسجل يومياً أكبر عدد ممكن من الحركات والأفكار، يكون لنفسه محصولاً اجتماعياً أكبر، فالفرد الذي يسير عشر خطوات، ويحرك يده عشر مرات، يقدم للمجتمع من الثمرات أكثر مما يقدمه فرد يسير خطوة واحدة ويحرك يده مرة واحدة. والاعتبارات البديهية هذه هي التي أدت إلى تحديد فكرة تبلور فيما يخص الإنتاج الصناعي، وإنها لتؤدي- في مستوى آخر- إلى تحديد مبدأ يخص الإنتاج الاجتماعي وهو مبدأ المنطق العملي.
وعندما نضيف هذا المبدأ الثالث إلى مفهوم الثقافة، فإننا نكون به شرطا هاماً من شروط الفعالية في الفرد وفي المجتمع. ولا بد لنا أن نلاحظ أن تطبيقه، يتضمن فكرة الوقت والوسائل البداغوجية لبث هذه الفكرة في سلوك الفرد وفي