نجد أنفسنا مضطرين إلى تقدير نظري، وهو أن عوامل التعطيل التي نتحدث عنها، لا يزال بعضها عالقاً بعالم النفس عندنا، في صورة رواسب خلفها في نفوسنا عهد الكساد، الذي أشرنا إليه بعنوان كتاب المستشرق (كرتييه)، ولا أشعر أن هذا التقدير النظري يخرج من نطاق الواقع، إذا أخذنا باعتبارنا أننا لم نقم إلى الآن في العالم الإسلامي عامة والعالم العربي خاصة، بما يسميه علماء النفس عملية تصفية للرواسب التي نتحدث عنها. وفيما يخص هذا الحديث فإنني أقنع بالحديث عن هذا الجانب المرضي في النهضة العربية، تاركا جانب العلاج إلى من يقوم بهذا الأمر مباشرة في إطار التخطيطات، مع اعتقادي أنه يتصل بقضية (الثقافة) والتوجيهات الثقافية في البلاد العربية، على شرط أن نعطي لكلمة ثقافة معناها الصحيح، لتقوم أولا بالدور الخلاق للإنسان العربي الجديد، الذي يتواءم مع ضرورات النهضة في الخارج وفي الداخل.
هذا من جانب الاعتبارات التي تمس ضعف النهضة من حيث النفس. وأما الاعتبارات التي تمس ضعفها من حيث الفكر، فإننا أيضاً مضطرون إلى التقديرات النظرية حتى تأتينا نتائج الدراسات الموضوعية للقضية، فإننا نقدر جملة أن الضعف الذي نشاهده في اتجاه النهضة العربية، من الجانب الفكري خلال الفترة التاريخية، التي اخترناها للموازنة أي فترة (١٨٦٨ - ١٩٠٥) إنما يرجع إلى أسباب منطقية معينة لا نتصور أنها تخرج عنها. ويمكن أن نرتب هذه الأسباب كما يأتي:
١ - عدم تشخيص غاية النهضة تشخيصا واضحا.
٢ - عدم تشخيص المشكلات الاجماعية تشخيصاً صحيحاً.
٣ - عدم تحديد الوسائل تحديدا يناسب الغاية المنشودة والإمكانيات.
إننا نكون بهذا الترتيب قد صغنا ثلاث مشكلات تكون الحلقة الجديدة لهذا الحديث: