١ - فأما بالنسبة للسبب الأول- وبقدر صحة الملاحظة- فالضعف يتصل بقانون الحركة عامة. إن كل حركة تفقد غايتها، أعني أن غايتها لم تتحدد بوضوح، فإن شأنها التيه في السبيل والتبذير في الوسائل والخطأ في الهدف، وبالتالي فإنها حركة تخضع لقانون المصادفة، أي أنها لا تأتي بنتيجة في اتجاه معين وفي وقت معين. هذا من وجهة نظرية بحتة أي بالنسبة لكل نوع من الحركة. ولكن النهضة العربية والنهضة عامة (باعتبارها حدثاً يحدث في تاريخ أمة في ظروف معينة مثل النهضات المعاصرة لنهضتنا في آسيا كما ذكرنا، أو مثل نهضة أوربا في منتصف القرن الخامس عشر) هي حركة من نوع خاص تحدد غايتها طبقاً لنوعيتها: هل الحضارة هي تلك الغاية، وبالتالي هل هي غاية كل سير في التاريخ؟ سواء أكان عن طريق التحديد والتوجيه والتوقيت أم عن طريق الصدفة؟.
إن الجواب على هذا السؤال يستوجب أولاً اعتبار التاريخ لا بصفته مجرد تسلسل حوادث على شاشة الزمن، بل بوصفه عملية اجتماعية محددة الأسباب والنتائج، ومرتبطة بمصير الإنسان تقدر حظه أو تلقيم في الحضيض.
ويأتي إذن السؤال في هذه الصورة: في أي ظروف يحقق التاريخ حظ الفرد، ويرفع شأنه في بلده ويعزز مكانه في العالم؟
إننا لو وزعنا بعض الأرقام على خريطة العالم، لوجدنا الجواب للسؤال المطروح في صورة جغرافية ذات دلالة. فلنأخذ مثلاً قائمة متوسط الدخل السنوي للفرد في العالم، فإن أرقامها تتراوح من ١٨٥٠ دولاراً في الولايات المتحدة إلى ٣٨ دولاراً في جمهورية ليبريا. وإذا اعتبرنا في هذه القائمة أن متوسط الدخل السنوي في اليابان ٢٠٠ دولار هو الرقم الوسط في العالم، لا بوصفه عدداً ولكن بوصفه منحى إقتصادياً، ثم وزعنا أرقام القائمة على الخريطة، فإننا سوف نرى أنها تصور لنا رقعتين جغرافيتين، تتمتع إحداهما بمتوسط دخل سنوي فردي فوق