٢٠٠ دولار، والأخرى يقع الدخل الفردي فيها دون هذا الرقم. ومن الطبيعي أن نقول إن الفرد الذي يولد في الرقعة الأولى، يحصل بمجرد ولادته على حظ أكبر في الحياة من نظيره الذي يولد في الرقعة الأخرى. ولو لاحظنا بعد هذا أن الرقعة الأولى هي بالضبط رقعة الحضارة الغربية وامتدادها الجغرافي التاريخي شرقاً وغرباً، أي امتدادها من أقصى الغرب من سان فرانسيسكو مثلاً إلى طوكيو في الشرق، ولاحظنا في الوقت نفسه أن الرقعة الأخرى هي بالضبط رقعة الشعوب التي تعيش من طنجة إلى جاكرتا، في حالة نسميها ما قبل الحضارة، وربطنا القضية بالجغرافية من ناحية وبالتاريخ من ناحية أخرى، فإن هذه الاعتبارات تُملي الجواب على السؤال المطروح .. أي أن الشروط التي تحقق للإنسان حظه في الحياة هي عامة شروط حضارة، وأن مصيره مقيد بها يُرزق غداً إنما تحققت، ويحرم إن اختلت أو انهدمت.
ولو اتخذنا قائمة أخرى ووزعنا أيضاً أرقامها على الخريطة، لوجدنا الظاهرة نفسها في صورة قارتين: قارة يسودها الرخاء لأن حضارتها تتكفل بحياة الفرد، وتقدم له جميع الضمانات الاجتماعية، وقارة يسودها الحرمان لأن الحياة الاجتماعية فيها في مرحلة دون الحضارة. فلو وزعنا مثلاً أرقام قائمة استهلاك الكهرباء أو الفحم الحجري فإننا سوف نصل للنتيجة نفسها.
وعلى سبيل المثال فقط نذكر أرقام استهلاك الفحم في العالم للفرد:
٨ أطنان للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية.
٤ أطنان للفرد في السويد ٢،٥ من الأطنان للفرد في فرنسا
١ طن للفرد في إيطاليا
١١٠ كيلو للفرد في الهند أي لبلاد واقعة في محور طنجة- جاكرتا.
وإذا رجعنا الآن إلى قضية النهضة العربية في ضوء هذه الاعتبارات، فإننا