نرى أنه من الضروري أن تحدد غاية سيرها بوصفها محركة في التاريخ، ثم أن تتخذ، بصفتها عملية اجتماعية، الحضارة غاية لها. وبقدر ما يصح هذا التشخيص في ضوء الاعتبارات الاجتماعية والتاريخية كما سبق، نكون قد تداركنا جانباً من عوامل التعطيل الذي كشفته لنا الموازنة مع نهضة اليابان.
٢ - هذا بالنسبة للسبب الأول، وأما بالنسبة للسبب الثاني أي بالنسبة لتشخيص المشكلات، فإن الضعف يتسرب في تقدير مشكلات النهضة من حيث ضرورات الداخل وضرورات الخارج تقديراً سليما، لأننا كنا نفكر حتى عهد قريب، وإلى حد ما، لازلنا نفكر، لا حسب طبيعة الأشياء، ولكن حسب عادات فكرية توجه فكرنا مبدئياً في اتجاه معين، سواء أكان هذا الاتجاه صالحاً يناسب فعلا ما تقتضي المشكلات من الحلول أم لا يناسب. هذه العادات الفكرية تعمل مفعولها أحياناً في صورة البديهيات التي تطبق دون أي تحفظ، والبديهيات في التاريخ كثيراً ما قامت بدور سلبي كعوامل تعطيل مثل بديهية: الأرض مسطحة، فإنها عطلت إلى حد ما سير التاريخ وحالت دون اكتشاف أمريكا قروناً طويلة حتى عهد كولومبو، بينما كان العلم القديم نفسه ينشد كروية الأرض كما يشهد بذلك كتاب (بطليموس) .. إن أجيالاً كثيرة من البحارة لم تكتشف أمريكا، لأنها لم تكن تواجه مشكلة المواصلات البعيدة بفكرها بل بعاداتها الفكرية. وهذه العادات تؤثر فعلاً في سرعة التطور، لأنها تجعلنا نعد المشكلات طبقاً لبديهيات لا يدل شيء على أهميتها، بدل أن نفكر فيها حقيقة، وكثيراً ما نغتر بالصورة بدلاً من أن يكشف عن المرض نفسه، ومن الواضح أن علاجاً يتجه في حالة معينة إلى الحمى، عوضاً عن الاهتمام بسببها، قد يؤدي إلى زيادة المرض، وأحياناً إلى موت المريض نفسه، إذا ما فات وقت التدارك.
إن كثيراً من المشكلات تعرض لنا، فلا نتعرض لها بفكرنا ولكن بعاداتنا الفكرية. وقد يكون نصيبنا من النجاح قليلاً دون أن نشعر بذلك أحياناً لأننا