فقضية الجهل لا تعالج إذن بمجرد وضع البرامج التعليمية، والتعليم لا ينفع بمجرد إضافة معلومات، بل يجب أن يكون أولاً عملية تصفية نفسية .. وتعديل معادلة شخصية زيفتها عهود الكساد. وبكلمة واحدة أن يكون التعليم بناء الشخصية الجديدة في المجتمع العربي المتجدد، طبقاً لضرورات النهضة في الداخل والخارج. وهذا يعني ألا توضع برامج التعليم لما يسمى (العلم)، ولكن طبقاً لشيء أعم بكثير هو: الثقافة. أي أن توضع برامج تتصل بعالم النفس والدوافع الأساسية ثم بعالم العقل والمفهومات، وبعالم الأشياء والحاجات.
٣ - وأما من وجهة المشكلة الثالثة التي ذكرناها في الترتيب السالف، أي تحديد الوسائل، فإن تحليلنا للصورة الشمسية قد كشف لنا عن جانب سلبي في النهضة العربية، يتصل بضعف منطقي فيها، باعتبارها حركة تاريخية لم تعرف بالضبط أو لم تحدد غايتها. ولكن لابد أن نضيف بجانب هذا ضعفاً آخر متفشيا فيها باعتبارها عملية اجتماعية، لم تعرف بالضبط أو لم تحدد وسائلها. فإننا لو تتبعنا سيرها خلال فترة معينة، كما فعلنا، فسوف نجد فيها- على الرغم من كل الضعف في تحديد غايتها- اتجاها نحو حضارة، مهما يكن في هذا الاتجاه من الغموض: ولكننا إذا حللنا مرة أخرى الصورة الشمسية المذكورة، فإنها ستكشف لنا أن النهضة العربية كانت تحاول تحقيق غايتها، بالأشياء التي تستوردها من الحضارة الغربية. فالخطأ يتصل هذه المرة بقضية الوسائل؛ والسؤال: هل يصح أن تكون الأشياء التي نستوردها من الخارج وسائل لتشييد حضارة معينة، أومنتوجاً حضارياً بصفة مطلقة؟ فأما من حيث إنه منتوج حضارة معينة، فإنه قد يتفق مع مصلحة البلاد التي استوردته، أو لا يتفق معها أحياناً من الجانب الإقتصادي، وأحياناً من الجانب النفساني أيضاً. فاستيراد (الويسكي) مثلاً قلما يتفق مع مصلحة بلاد إسلامية عامة وبلاد عربية خاصة، وكذا استيراد سيارات الكاديلاك غالباً واستيراد فرو السيدات في البلاد التي تشرق عليها شمس المناطق الحارة.