ولكن جمع منتوجات حضارية هو الحضارة نفسها في صورة غير مركبة، وجمع إنسان هو الإنسان نوعاً، وجمع تراب هو التراب نوعاً، وجمع وقت هو الوقت نوعاً. وبالتالي يمكن أن أكتب النتيجة التحليلية في صورتها النهائية:
حضارة = إنسان + تراب + وقت
ومن هذه المعادلة النهائية يمكن أن نستنتج استنتاجات نظرية مختلفة تدل
أولاً على أن الحضارة ليست، أساساً، تكديس منتوجات حضارية بل هي بناء مركب اجتماعي يشمل ثلاثة عناصر فقط، مهما كانت درجة تعقيدها كحضارة القرن العشرين. ثم إنها تزيل عن موضوع بناء هذا المركب الشبهات التي تعلق به من حيث الإمكانيات، إذ نرى أن هذه الإمكانيات بالنسبة لأي شعب محفوظة في رصيد الطبيعة، لا في رصيد البنك، يعني أن إمكانيات الشعوب تتساوى في أصلها.
ولكن المعادلة التي كتبناها في صورتها الأخيرة لا تتفق مع واقع التاريخ دون قيد أو شرط، لأن العملية لا تنتج تلقائياً كلما اجتمع الإنسان والتراب والوقت. إذ نرى في تاريخ الشعب الواحد فترات خالية من الحضارة، لأن الشعب لم يدخل في عملية التحضير، بل خرج منها في ظروف معينة، يقع فيها الأفول.
إن المعادلة التي انتهينا إليها ليست صحيحة إلا بشروط بينها التاريخ، لأنه
هو مختبر التجارب والعمليات الاجتماعية.
إننا عندما سلكنا في التحليل مسلك الكيميائي الذي يحلل عينة من الماء، وجدنا في جهاز التحليل كمية من غاز الهيدروجين وكمية من غاز الاوكسجين، ولكن عندما نحاول الرجوع من هذين العنصرين إلى الأصل نجد أنفسنا أمام استحالة، تدل على أن العملية صحيحة في التحليل وربما غير صحيحة في