التركيب. ولكن الكيميائي يرفع من ذهنه هذا الشك، لأنه متمسك بمبدأ عام، يقضي بأن المركب يتركب حتماً من العناصر التي ينتهي فيها تحليله، فيدرك بداهة أن الاستحالة التي وقف عندها هي صورية لا تمس بجوهر المركب. فالماء يساوي هيدروجين وأوكسجين سواء من حيث التحليل أو من حيث التركيب .. ولكن يجب اتباع طريق خاص في التركيب، وفعلاً لا يلبث الكيميائي أن يكتشف أن عملية تركيب الماء، تخضع لقانون المركب الذي يتدخل فيها في صورة شرارة كهربائية مثلا.
وهكذا يجب أن نلتفت نحن إلى مختبر التاريخ ليدلنا على المركب الذي يتدخل في تركيب العناصر الثلاثة: الرجل، التراب، الوقت، كيما يكون بها حضارة. ولا أريد هنا إطالة الكلام على تأثير الدين بصفته عاملاً مركباً للحضارة، فمن يدرس تاريخ الحضارة الغربية (تويني) أو (ماسيس) يرى أثر الفكرة المسيحية في تركيبها، وكذلك من يدرس الحضارة الإسلامية يرى في تركيبها أثر الشرارة التي نزلت من السماء على غار حراء .. وكذلك يرى من يدرس الحضارة البوذية أثر فكرة (كوتاما) بوصفها ديناً، في تركيبها.
ولكن حسب الاعتبارات الاجتماعية التي تنتج ما انتهى إليه التحليل، يتبين
أن المعادلة العامة التي وصلنا إليها تدل على أن مشكلة الحضارة لا تحل باستيراد منتوجات حضارية موجودة- مع الاحتفاظ بالصواب بين الإفراط والتفريط كما بينا- ولكنها تستوجب حل ثلاث مشكلات جزئية:
١ - مشكلة الإنسان وتحديد الشروط لانسجامه مع سير التاريخ.
٢ - مشكلة التراب وشروط استغلاله في العملية الاجتماعية.
٣ - مشكلة الوقت وبث معناه في روح المجتمع ونفسية الفرد.
إنه يمكننا الآن في ضوء هذه الاعتبارات النظرية أن نقدر تقديراً سليما وضع النهضة العربية، من حيث غايتها ووسائلها وطبيعة مشاكلها.