فإنما هي في هذا تستجيب لحاجة دعتها إلى ذلك، وليس لمجرد الاقتباس. وهذه الحاجة قد نتجت عن التطور الذي حدث منذ قرنين في بناء الشخصية الإنسانية الجديدة. فإن هذا البناء قد أصبح يقوم على أساسه على الحريات الفردية التي نص عليها إعلان حقوق الإنسان والمواطن، إبان الثورة الفرنسية، حتى بات لا ترتفع راية حكم ولا يستقر وضع سياسي من دون أن تكون هذه الحريات في أسسه.
وليست الديمقراطية غير تطبيق لهذه الحريات في النظم الاجتماعية وفي المنظمات السياسية وفي دستور الحكم، ولو أننا حللنا من ناحية أخرى التطورات التي حدثت منذ ثلاثين أو أربعين سنة في الإطار الإقتصادي، لوجدنا أنها مطبوعة بنزعة جديدة تحتوي على جوهر لا نجد له أثراً كبيرا في الإقتصاد القديم. ولقد أصبحت هذه النزعة من الميزات الخاصة للقرن العشرين، تطبع اتجاهه العام في الميدان القومي والميدان الدولي بطابع الإشتراكية. والنزعة هذه وثيقة الصلة بالديمقراطية لأنها نتيجة الحريات الفردية وخاتمتها في الأوضاع الإقتصادية، فإنه لا يمكن لهذه الحريات أن تستقر في وضع سياسي معين ما لم تساندها أوضاع إقتصادية مناسبة. أي إن الحاجة التي دعت في الميدان السياسي إلى الديمقراطية تدعو في الميدان الإقتصادي إلى الإشتراكية.
فالإشتراكية، تعبر أيضاً عن حاجة أكيدة في القرن العشرين .. فإن شعور الإنسانية بهذه الحاجة لا يقل أبداً عن شعورها بالديمقراطية. حتى لقد أصبحت الكلمة شائعة .. نجدها في كل الشعارات القومية وفي كل التوجيهات التي تمس من قريب أو بعيد الحياة الإقتصادية .. نجدها حتى في النظم المتباعدة المتباينة، ولم يكن من محض الصدفة أن النظام الذي أقامه هتلر في ألمانيا كان يدعي (الاشتراكية القومية)، كما أن النظام الذي تقيمه اليوم البلاد العربية يحمل طابع واسم (الاشتراكية التعاونية). ولقد رأينا خلال الحرب العالمية الثانية كيف كان