غير مادية. إنها معنوية وبالضبط (إيديولوجية)، فإذا كانت الأولى تعبر عن كل ما يتصل بالجسم، فإن الثانية تعبر عن كل ما يتصل بالروح.
إن الإنسانية أصبحت تشعر بحاجات تعبر عنها في الدساتير المختلفة التي تبنى عليها حياتنا السياسية. وتعبر عنها أيضاً في صحافتها وفي شعرها. فلو أننا تصفحنا أي دستور تقوم عليه حياة أي شعب اليوم، فسوف نجد في الأسطر الأولى أن المبادئ التي يبغي الشعب إقرارها في حياته العامة والمعاني التي يريد أن يسير على مقتضاها، والمثل التي تكون دوافعه الجماعية والفردية، تعبر عنها كلمة واحدة هي كلمة الديمقراطية. فقد أصبحت هذه الكلمة وكأنها قطب يتجه إليه تاريخ الإنسانية على مختلف أصنافها، بما فيها من تنوع من حيث التقدم والتخلف.
فإذا كانت هذه المجتمعات على ما بينها من اختلاف، تهفو إلى هذه الكلمة وتعلي من شأنها، فإن هذا يعني أنها تعبر عن حاجة كبرى من حاجات الإنسانية في القرن العشرين. فقد أصبح من المعروف دوليا أن كل دولة تدعي لنفسها زعامة الفكرة الديمقراطية في العالم، وأن كل داعية سياسية يستند عليها فيما يدعيه مهما كانت نواياه الحقيقية. فربما كان هتلر أو موسوليني من ألد أعداء هذه الفكرة، ولكن لسانه ما كان يدعها كأكبر حجة فيما يدعيه. فقد كان يعلم ما لها من المكانة في نفوس الجماهير، لذلك فقد كان يتألف بها هذه الجماهير حتى تسير وراءه.
وليس لنا هنا أن نتبع سير الفكرة الديمقراطية في التاريخ، منذ عهد جمهورية أثينا وروما حتى نحدد منشأها، إنما الذي نريد أن نقوله إن عصرنا قد ورثها من الثورات التي غيرت النظام الملكي في إنجلترا إلى نظام دستوري وفي فرنسا إلى نظام جمهوري. إلى هذا ينتهي أصل هذه الفكرة في القرن العشرين. والثورات التي جاءت من بعد إذ اقتبست من هذه الأصول التاريخية فكرتها،