للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا ما اقتضى هذا الاعتبار أن يكون قسم معين من الدور الأول، فإنه يكون ضربا من الهوى إذا جعلنا مقره في الدور العاشر والعكس بالعكس.

هذا هو المقياس الذي يمكننا استخراجه من استعارة (المجمع) لنقيس به في موضوعنا. فإن الشعوب تعيش اليوم في (مجمع) عالمي، وحظها فيه يقدر حتما على أساس تخصصها بالنسبة إلى مصلحة تمثل الهدف الذي تسير إليه الإنسانية خلال التطورات، التي حدثت في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية. فلا بد لنا إذن من توضيح فكرة التخصص في التاريخ، حتى نكون على بينة من مداها في حياتنا. فإن هذه الفكرة قد دخلت التاريخ منذ ستة أو سبعة آلاف سنة، حينما حدثت الثورة الزراعية التي غيرت جميع الأوضاع الاجتماعية، التي كانت تعيش عليها الإنسانية من قبل. ولقد كان من بين نتائج هذه الثورة أنها أحدثت ما يسمى في علم الاجتماع (تقسيم العمل)، الذي أدى بالتالي إلى التخصص المهني، أي التخصص الذي يجعل كل فرد يعرف مواهبه في الحصول على مهنة معينة تجلب له قوته، وتضعه بالتالي في مركز معين في المجتمع. ومن المعلوم أن هذه المهن كلها تعبر عن مختلف الحاجات في المجتمع، ولا نستطيع أن نتصور مهنة دون حاجة معينة .. وهذا يعني أن مركز الفرد في المجتمع يحدد على أساس الحاجة، التي تلبيها مهنته ويسدها تخصصه.

هذا هو معنى التخصص في مستوى الفرد، غير أن الفكرة اليوم أصبحت تهم المجتمعات ذاتها باعتبارها أفراداً من نوع خاص. فنحن نعيش اليوم في عالم تتخصص فيه كتل بشرية. وتمثل كل كتلة حاجة معينة من الحاجات التي تقتضيها حياة الإنسانية اليوم. فإن الحاجات التي دعت الأفراد إلى التخصص مند عهد الثورة الزراعية، كان معظمها إن لم نقل كلها حاجات مادية، تعرض تخصصاً فنيا كتخصص الفلاح والبناء والحداد والنجار والخباز والخياط الخ .. أما الحاجات التي أصبحت اليوم تفرض تخصصاً على الكتل البشرية، فإنها حاجات

<<  <   >  >>