فإذا ما تحققت هذه الآية في سلوكنا- العام، بوصفها تخصصاً لمجتمعنا بالنسبة لحاجة الإنسانية، فسوف نكون قد لقينا على الخريطة الإيديولوجية لوناً يجعلنا من أكرم سكان المجمع العالمي. وأنا أتعمد شيئا حينما أقرن الخير بالسلوك، فالسلوك هو الذي يحقق في الواقع معنى الخير المجرد. فليس الخير مجرد حقيقة نعلمها أو نقولها، مجرد حقيقة تقبلها العقول، وربما تنفر منها الأنفس أحياناً إذا لم يكن الخير في صورة محببة للناس، إذ ربما يحدث دوافع سلبية لا تشبع في أنفسهم حاجة لخير، بل تحدث فيها حالة حرمان.
وقد كرر القرآن الكريم النصائح في هذا الاتجاه إذ يقول للنبي:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران ١٥٩/ ٣]. أو حينما يقول له بصفة عامة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت ٣٤/ ٤١].
فهذا هو- فيما أرى- شرط دخولنا في المجمع العالمي. ونحن حينها ندخل إلى
هذا المجمع غير مقلدين، فإننا سنكون أسبق من غيرنا إلى وظيفة، تسد حاجة من حاجات الإنسانية الكبرى في القرن العشرين، ولحققنا بذلك لأنفسنا مكاناً كريماً في العالم الجديد.