للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه ضحكة نكراء، إنها ضحكة الشر المنتصر، قد وصل صداها إلى أذني ذلك (البطل) الذي سحق المدينة بقنبلته الفتاكة.

ولقد حاول أن يتوارى عن ذلك الوجه المفزع، وأن يُصم أذنيه عن تلك الضحكة المزعجة، فأطلق لطائرته سرعتها حتى يغير من ذلك المنظر ويبدل من ذلك الصوت، ولكن هيهات أن يزايل المشهد مخيلته أو يهدأ رنين الصوت في أذنه، فإنه يحمله في نفسه، في فطرته، في ضميره الذي تحرك حينما رأى سوء عمله .. لقد فر وأمعن في الفرار، ولكن ذلك لم يجعله في نجوة من شعوره بالإثم، ومن رؤيته لوجه الشر سافراً فوق الاطلال المحطمة، ومن سماع ضحكته الصاخبة فوق الجثث الهامدة.

فر من الجيش، من الحياة العائلية، من الأصدقاء، من الملذات، وأوى أخيراً إلى دير عله يجد في العزلة تسلية.

إن في هذه الحادثة لعبرة. إنها تشير إلى أن الإنسان لا يفقد من نفسه معنى الخير كله مهما أحاطت به دوافع الشر. لأن الأصل في قلبه الخير والشر عارض. وإن هذا ليعني أن الخير حاجة تشعر بها النفس شعوراً عنيفا، كذلك العنف الذي تجلى في سلوك الطائر الأمريكي بعد عودته من هيروشما.

ونحن حينما ندقق الأشياء نرى أن الدوافع النفسية التي تعبر عنها فكرة

الديمقراطية أو فكرة السلام، إنما هي في الواقع دوافع واحدة في صور مختلفة: إنها دوافع الخير في نفوس مختلفة. وإن هذا يعني " بعدما تصح هذه الملاحظة " أن في النفس مجالاً لفكرة الخير، وأن من يرفع راية الخير قد يسد حاجة تشعر بها الإنسانية في أعاقها، ويحقق لنفسه مكانا كريماً في المجمع العالمي.

وفي هذا المجال يمكن أن يكون مجالنا إذا حققنا في سلوكنا معنى الآية الكريمة: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} إلخ [آل عمران ٣/ ١٠٤].

<<  <   >  >>