يجب أن نحدد أولاً الموضوع بطريقة منطقية واضحة، مستمدة من ملاحظاتنا البسيطة:
إننا عندما نلقي نظرة فاحصة على المجتمعات المعاصرة في القرن العشرين،
نجد أنها تختلف في نواح عدة وتتشابه في نواح أخرى، والإختلاف الذي يلفت نظرنا يتمثل في جانب أصيل من جوانبا المجتمع، ألا وهو ما يطبع نشاطه من فاعلية تتفاوت درجتها من مجتمع إلى آخر. هذا العنصر أصبح أساساً في فلسفة العصر، التي تعنى بتقدير الكم فتجعله فوق القيم الأخرى، وهو يختلف باختلاف المجتمعات حتى يمكن أن نتخذه مقياساً خاصاً لقياس المستوى التاريخي لهذه المجتمعات. فهناك مجتمعات أكثر فاعلية من مجتمعات أخرى، وإذا تقرر هذا في ذهننا، وقد يتقرر بمجرد النظرة إلى قائمة الإنتاج في العالم، فيجدر بنا أن نتساءل: ما السبب في هذا الاختلاف في درجة الفاعلية؟ والجواب يقتضي احتمالين في نطاق المنطق العام: فقد نقول: إن المشكلة تتصل بناحية عنصرية، كما ذهبت الفلسفة التي تمذهبت بالآراء التي كانت سائدة في سياسة (هتلر)، أو نقول إنها تتصل بناحية إقتصادية كما تفسرها مدرسة (ماركس).
على أننا نجد أنفسنا هنا أمام لغز والتباس، ولا نستطيع الخروج منهما إلا عن طريق ملاحظات أخرى، فمن ناحية نلاحظ أن المجتمعات المعاصرة تختلف في كمية الإنتاج، وحين ندرس من ناحية أخرى مجتمعاً واحداً في عصور مختلفة، نرى أن إنتاجه الإجتماعي يختلف من فترة إلى أخرى، وإذن فالنظرية العنصرية تفقد مسوغاتها، ولابد لها من البحث عن مسوغات أخرى؛ على أنه مهما تكن الأسباب الكائنة وراء ظاهرة النشاط الاجتماعي فإنه يمكن حصرها في سبب عام نصطلح عليه بالفاعلية، وهذا لا يؤدي قطعاً إلى تفسير واضح، إنما يحدد نظرتنا لا في