إن لكل جيل مراكز تفكير معينة، تحددها ضرورات الحياة وروح العصر،
أي الفلسفة العأمة التي تسيطر على الأفكار، لا في مستوى النخبات المثقفة فحسب، بل في مستوى المجاهير، فتتكون هكذا نقط تقاطع والتقاء، تتقاطع أو تلتقي فيها التيارات الفكرية التي تعبر عن روح العصر.
فالجيل الذي عاش في القرن التاسع عشر اكتشف مع آدم سمث ومع كارل ماركس، قيمة الواقع الإقتصادي في تحديد الظاهرة الاجتماعية، فأصبح الإقتصاد أحد مراكز التفكير، المركز الذي تلتقي فيه الأفكار بحدة، إما لأنها أفكار عملية تبحث عن سبل جديدة لتيسير الحياة المادية، أو أنها أفكار نظرية تحاول فهم الظاهرة الاجتماعية في ضوء الإقتصاد، أو أحياناً لأنها هذا وذاك. ولقد نما هذا الروح في القرن العشرين، فتأكدت فيه مراكز التفكير الإقتصادي، حتى إنه يمكن تعريف هذا القرن بأنه يخضع لقانون التوسع الإقتصادي، كما كان القرن السابق يخضع لقانون التوسع الإستعماري، وحتى أصبح الإقتصاد ميزة ومقياساً تقاس به الأشياء، في داخل بلد معين، فنقول عنه إنه في حالة نمو إذا كان إقتصاده نامياً، أو بالقياس مع بلد آخر فنقول عن أحدهما إنه متخلف إذا كان إقتصاده كاسداً.
ثم أتت الحرب العالمية الثانية فكان من بين المحصول الطائل الذي خلفته،
من العلوم النظرية والتطبيقية ومن بين المفاهيم الجديدة التي أضافتها إلى عالم الأفكار، أنها خلفت بالنسبة إلى الشعوب الإفريقية الآسيوية مفهوم التخلف، الذي يعبر عن وضع اجتماعي خاص بهذه الشعوب ويمكن تصويره ببعض الأرقام.