للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلو استعرنا من أحد المصادر المختصة (١) إحصائية متوسط الدخل السنوي

للفرد في العالم، وقدرنا هذه الأرقام بالقيمة الاجتماعية لا بالقيمة المالية، أي لو قدرناها بما تكفل من ضمانات اجتماعية في وطن معين، ثم لو وزعنا هذه الأرقام على الخريطة، فإننا سنجد أنها تحدد قارتين: قارة تتمتع بمتوسط دخل سنوي للفرد يتراوح بين ١٨٥٠ دولاراً و ٢٠٠ دولار، والأخرى يتراوح متوسط الدخل السنوي فيها بين ٢٠٠ و ٣٨ دولاراً.

فإذا قدرنا (٢) أن الحد الادنى الذي يكفل الضمانات الاجتماعية لا يمكن أن

يكون دون ٢٠٠ دولار، أي متوسط الدخل في اليابان، فإننا نرى أن توزيع الأرقام على الخريطة يصور فعلا قارتين: قارة يُسْر تمتد من واشنطن إلى موسكو وطوكيو، وقارةُ عُسْر تمتد من طنجة إلى جاكرتا.

فكلمة (عسر) ليست هنا إلا التعبير الادبي عن الواقع الاجتماعي الذي يعبر

عنه مصطلح (تخلف)، وليست هذه الكلمة هي المهمة في حد ذاتها، وإنما الواقع الذي تعبر عنه. ولقد أخذ هذا الواقع مكانه في الدراسات الإقتصادية التي تخصصت فيها مؤسسات ومعاهد علمية، كما أخذ مكانه أيضاً في بعض الدراسات السياسية التي تهتم بمصير البلاد الإفريقية الآسيوية، مثل الكتاب الذي ألفه بهذا الشأن السفير الهندي (بانيكار) تحت عنوان (مشكلات الدول الجديدة).

فمشكلات التخلف تهم إلى حد بعيد البلاد الإسلامية، سواء في الصورة السياسية أم في الصورة الإقتصادية، ويبدو الأمر أكثر أهمية في الصورة الثانية، لأن هذه البلاد تواجه الازمة الإقتصادية، لا من الناحية المادية التي تسد الحاجات الضرورية فحسب، ولكن من الناحية المعنوية أيضاً لأنها ترتبط روحاً وفكراً بالعصر الذي يجعل القيم الإقتصادية في الدرجة الأولى من سلم القيم.


(١) مثل جمعية الامم.
(٢) وهذا التقدير يقرره الواقع في البلاد التي ندرس أحوالها مثل اليابان.

<<  <   >  >>