فعندما كنت أحرر هذا التنبيه كنت أشعر بمسؤوليتي كاتباً، نحو فكرة أدرك ما سوف يجند ضدها الإستعمار من الوسائل الجبارة، وكنت من خلال تجربة ربع قرن، أدرك أن الإستعمار سوف يحاول قتل تلك الفكرة بكل ما لديه من الوسائل.
ومرت أيام ومرت معها فعلاً بعض معارك الصراع الفكري، كان الإستعمار يستهدف خلالها الاستيلاء على حصون الفكرة، ولكن أبت الاقدار أن تتركهما لشراسته .. حتى تغيرت الظروف وأتت في أفق السياسة الدولية بادرة نستبشر بها، ألا وهي مؤتمر الدول غير المنحازة.
وكما ذكرت في كتاب (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة)، فإن الإستعمار
لا يخرج من معركة لقتل فكرة، إلا ليدخل ضدها في معركة ثانية في صورة مجددة.
وقد تعودنا أن الإستعمار يحاول قتل الأفكار بكل ما لديه من الوسائل، ولكن يبدو أنه جدد خطته، وقرر هذه المرة أن يوحي بطرقه لأحد الأقلام، كي يكتب على هامش مؤتمر عدم الإنحياز- كي يخلق منه مسوّغا وحجة- أن فكرة باندونج ماتت.
وكتب سعادة الصحفي أن باندونج مرحلة مرت بدياجي التاريخ.
وهكذا كشفت لنا الأيام صورة جديدة في الصراع الفكري.
ولكن كما قلنا في التنبيه الذي نقلناه إلى القارئ، إن فكرة باندونج دخلت التاريخ وهي حية ترزق .. بل تلد أفكاراً مثل التي عبر عنها مؤتمر عدم الإنحياز ... فهل يقال على أم ولدت وليدا أنها ماتت .. وأن الوليد هو الذي أصبح يقوم بدوره التاريخي ... يا سعادة الصحفي.