موضوع حديثنا يتضمن جوانب كثيرة، تفرض علينا في خطوة أولى ترتيب عناصره وتحديد إطاره حتى لا نتيه في رحابه المتسعة، ينبغي إذن أن نتناوله من زاوية معينة، وهذا يعني أن يجب في الخطوة الأولى أن نوضح حدود هذا الحديث.
فلو أننا وجدنا وجهاً لموازنة كي نتخذ منه مقياساً نقدر به المفهوم الذي يتضمنه حديثنا، والذي عبر عنه مؤتمر باندونج بالمصطلح السياسي، أعني مقياساً بمفهوم آخر من الفاهيم التي لديها أسبقية في إدراكنا وفي ثقافتنا، لو استطعنا ذلك لكنا على جانب من التوفيق، وإنني أعتقد أن القانون يعطينا هذا المقياس في بعض مصطلحه مثل (العقد) و (التعاقد) حيث يمكننا القياس عليه.
إن أهل القانون يعرفون العقد بصفة عأمة بأسبابه وبغاياته، أي بالأسباب
التي يجري بمقتضاها التعاقد بين طرفين أو بين أطراف متعددة، وبالغايات التي تمثل مصلحة مشتركة بين هذه الأطراف التي يتم بينها إبرام العقد.
فلو أضفينا هذا المعنى القانوني على عنوان حديثنا، أي على مصطلح (التضامن)، لوجدنا أن عناصره تترتب، طبقاً لموازنة التي نريدها، في عمودين يتضمن أحدهما أسباب التضامن الإفريقي الآسيوي، ويتضمن الآخر غاياته، مع العلم بالفوارق التي يجب مراعاتها بين ما يقتضيه مفهوم قانوني بسيط، تنتج كل خصائصه أي كل أسبابه وغاياته، عن إرادة الأطراف المتعاقدين، وبينما يقتضيه مفهوم معقد كونته ظروف تاريخية واجتماعية مختلفة، ولا تصدر أسبابه كلها وغاياته عن إرادة معينة، حتى إنه يمكننا من الآن القول إن مؤتمر باندونج الذي كان- كما ذكرنا- أول تعبير عن (التضامن الإفريقي الآسيوي) في التاريخ، لم يكن واعيا الأسباب التي دعت إليها كلها، ولا الغايات التي اجتمع من أجلها كلها، لأنه لم يكن معداً لتناول القضية الإفريقية الآسيوية