التحليل، فربما يفقد كذلك موضوعنا حيويته، وتفقد الفكرة التي يتضنها قيمتها بوصفها تعبيراً عن ملحمة الشعوب الإفريقية الآسيوية، التي بدأت تشعر منذ باندونج بقيمة دورها في العالم، وبالدوافع التي تحركها في هذه الملحمة.
وعليه فمن الصواب أن نخصص خطوتنا الثانية لعرض العناصر النظرية، التي يشملها الترتيب التحليلي السابق في صورة أخرى، تشكلها مع روابطها العضوية التي تربطها بواقع الحياة مباشرة، وتعبر عن تفاعلها المباشر في عملية التاريخ ذاتها، حتى تدرك مباشرة قيمتها في حياة الشعوب الإفريقية الآسيوية، ومعناها في مصيرها وفي مصير الإنسانية عأمة.
إنني أعتقد أن هذه الصورة قد يمكننا اقتباسها من أسطورة الغار الشهورة، التي وضعها أفلاطون للتعبير بطريقة رمزية عن اختلاف الإدراك عند الأفراد في مراحل فكرية معينة، فنحن نريد صورة رمزية تعبر عن اختلاف المجتمعات في أطوار تاريخية مختلفة.
يمكننا أن نقتبس بهذه الطريقة ما يعطي للترتيب التحليلي الذي قدمناه قيمته في واقع الحياة مباشرة.
فلنتصور إذن زائراً من السماء هبط للاستكشاف في الأرض، فمن الطبيعي أن جميع المصطلحات الخاصة بتنظيم الأرض تكون غريبة عنه، إذ أنه في عالم مجهول لا يعرف عنه شيئاً، ولكي نعطي لفرضنا زيادة من الدقة، يمكننا أن نتصور فضلا عن ذلك أن زائرنا أصم وأخرس، فمن البين في هذه الحالة أنه لن يدرك أي اختلاف اصطلح عليه أهل الأرض، أو أي حقيقة تاريخية أو شيئاً من الحقائق الدينية والسياسية واللغوية، وعأمة هو لا يدرك الخصائص الطارئة على الحياة الإنسانية، الخصائص التي تميز في نظرنا- نحن- أهل الأرض بلغاتها وأديانها وتاريخها، إنه لا يرى في الأشياء الأرضية ما يعبر عن تاريخها