ومصيرها، وإنما يراها مجرد موجودات في الصورة التي تقع تحت نظره مباشرة، دون أي تعليق مجرد، فكل الأشياء التي ندركها عن طريق التجريد، لا تلفت نظره ولا تخاطب فكره، كما لا تلفت نظره، في حدود فرضنا- أي في زيارته الأولى- الأوضاع الأخلاقية والسياسية وحدود الأنفس والدول، فهذه الأشياء كلها لا مفهوم لها عنده، فهو لا يرى من وراء الأشياء ماضيها أو مستقبلها، وإنما يراها في واقعها، كما هي الآن، ولا يرى في هذا الواقع نتيجة عمليات تاريخية مطردة مترابطة كما يراها ابن الأرض، فهو لا يكتشف في كل ما يقع تحت بصره تطورا وأسبابا، وإنما يراه مباشرة في حالة معينة، فنظرته لا تتجاوز الشكل السطحي أو الجلدي- إن صح التعبير- ولا تصل (بطبيعة الحال ومقتضى الفرض) إلى اللب الداخلي للمشهد الأرضي الذي يمر تحت بصره مر السحاب.
وخاصة، فالنظر البشري على سطح الأرض لا يوحي له بأي مضمون روحي بطبيعة الحال، إن بصره لا يرى من واقع البشر إلا صورته الاجتماعية، فجميع ملاحظاته ومذكراته لا يمكن أن تتصل إلا بغلاف الأشياء: فهو على هذا الفرض لا يميز بين الأشياء التي تعترض بصره إلا بالاختلاف الرئيسي، بالتباين الصريح الذي يثير اهتمامه.
ومما يقتضيه فرضنا: أنه ما كان لزائرنا السماوي خاصة أن يلتفت إلى لون
علم يرمز به عن خط صوري يمثل في مصطلح أهل الأرض الحدود السياسية لبلد معين: فهو لا يرى أمماً ولا دولاً، وإنما يشاهد ريفاً ومدناً وخطوطاً للمواصلات بينها وتجمعات بشرية، ولا شك أنه يسجل التغيرات التي تطرؤ على المنظر من مكان إلى آخر كلما تغير ما يسمى (اللون المحلي).
ولكن الأنتقال الذي يثير انتباهه بلا ريب، هو التحول الذي ينتج عن انفصال حقيقي في النظر الواقعي، بالنسبة له أي تبعاً لمعادلته الشخصية-كما