يحددها فرضنا- أي عندما يحدث في نفسه انفصال داخلي، لأن كل تغيير خارجي في مظهر الحياة وفي نسق هذا المظهر وفي أشكاله، يؤدي حتما إلى تغير داخلي في نفوسنا.
ولنفترض الآن، وفي محيط هذا الفرض الذي وضعناه، أن زائرنا السماوي يقطع المسافة بين واشنطن وموسكو، على طبق طائر أو بوسيلة أخرى، فمن الواضح أن المشهد البشري على طول هذا الطريق لا يحتوي على أي فاصل جوهري، بالنسبة إلى معادلته الشخصية كما حددناها: فربما تستلفت نظره لحظة رؤية ناطحات السماء الرائعة في شوارع نيويورك عندما يمر فوقها، ولكن هذه التفاصيل ستذوب حتما في مجموعة تفاصيل من النوع نفسه، إذ أنه سيرى في موسكو أيضاً (الناطحات) التي أنشأها ما سمي بعد الحرب العالمية الثانية (أسلوب ستالين).
فمكتشفنا سيصادف إذن، من أول الخط إلى نهايته اللوحة نفسها التي سجل
فيها الإنسان، الذي يعيش على هذا الخط نتائج كفاحه وعبقريته. فمن أقصى هذا الخط غرباً إلى أقصاه شرقاً يرى زائر السماء شبكات الطرق الحديدية والنهرية والجوية نفسها. والطابع نفسه الذي يكسو وجه الريف الذي تتدفق منتجاته على المدن الصناعية، المدن الكبيرة ذات الشوارع الواسعة، التي يخيل له أنها تنشط فيها الحياة في ساعات النهار نفسها وتتحرك فيها المجموعات البشرية نفسها، من أطفال ذاهبين إلى مدارسهم، ومن رجال ذاهبين إلى مصانعهم وورشهم ومكاتبهم. ويبدو فيها التنظيم نفسه للوقت تدل عليه هذه الحركة التنظيمية، التي تحتل الشوارع وتغادرها في ساعات محددة، والتنظيم المدني نفسه بمداخن مصانعه، ومدنه العمالية وقطارات المترو التي تلي حاجة هذا النشاط الزاخر إلى السرعة، ونظم التنوير وكيفية التنوير وكيفية الإضاءة في شوارع التجارة والملاهي بالليل.