وموجز القول إن نظرة زائر السماء ستصادف الدرجة نفسها من واشنطن إلى موسكو. فهو يرى خاصة هذا العامل في مصانع فورد في مدينة Détroit بأميركا، وزميله في مصانع رونولت بباريس، وزميلهما في مصانع كروب Krupp بمدينة إيسن أو في مصانع مولوتوف بموسكو.
فقبل أي تمييز سياسي أو ديني وقبل أي اعتبار خاص بالعنصر وبالصنف البشري الذي يصادفه نظره، فإنه يرى وجهاً واحداً في كل هؤلاء العمال، لأنهم يمثلون النموذج الاجتماعي نفسه، ولو أنه مد خطواته واستكشافه في الاتجاه نفسه حتى ضواحي طوكيو، فإنه لا يرى العنصر الأصفر في ملامح العامل الذي يشتغل في مصانع ميتسوي، بل يرى النموذج الاجتماعي نفسه الذي يتحرك داخل اللوحة، التي رسمها نشاط الإنسان على طول الخط من واشنطن إلى موسكو.
وحتى الآن ليس لدى زائرنا أي سبب يدفع عقله إلى أن يعقد أي صلة سببية، بين هذا النموذج الاجتماعي والنظر الذي يحوطه، إذ ليس لديه حتى الآن مقياس منطقي يربط هذين العنصرين في ذهنه، أي يربط بين صورة الفرد في محيط معين وبين هذا المحيط، ولكن ستسجل في ذاكرته بصفة آلية، هذه المطابقة في صورة فكرة تضم هذين العنصرين في وحدة معينة، ربما تتبلور في ذهنه بوصفها مقياسا وسوف يرجع إليها بصفتها قاعدة تمييز بعد أن تتم مشاهداته لظروف الأرض وخصائص الحياة على سطحها، فتصبح إذن هذه القاعدة مميزة في نظرية لتنوع هذه الظروف وهذه الخصائص.
وبالفعل فلنتبع الآن خطوات زائرنا في اتجاه آخر على طول الخط الممتد من طنجة إلى جاكارتا: إن النظر البشري سوف يتغير فجأة وبصورة كلية في نظره، إنه سوف يرى منذ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه (مدن الأكواخ) المتناثرة هنا وهناك في ضواحي الدار البيضاء، وضواحي بومباي مثلاً، فتغير هذه الأكواخ تأثراته وانطباعاته جذريا، كأنه عبر الحدود الفاصلة بين عالمين مختلفين