اختلافاً، يحدث في نفسه انفصالا تاماً عن تأثراته وانطباعاته السابقة، ويأخذ هذا الأنفصال يتأكد في نفسه كما تابع مشاهاداته في الاتجاه الجديد، يتأكد بقدر ما يجمع في نفسه من آثار المشهد الجديد، الذي يراه الآن بمختلف ألوانه المعبرة عن صورة الحياة البشرية الجديدة على طول هذا الخط.
إن النظر الإنساني لم يعد هو الأول، فلا مصانع هنا ولا مداخن، ولا مدنا صناعية ناشطة في ساعات معينة من النهار، ساهرة بالليل من أجل الدعاية واللهو؛ والإنسان في المنظر الجديد يبدو ساكنا لم يطبع إرادته في تنظيم إطاره اليومي طباعة ينظم معها التراب والوقت؛ فعلى مساحات شاسعة يبدو التراب وكأن اليد البشرية لم تسيطر عليه قط، فهو بقي في سلطة الطبيعة أو عاد إليها، كأنه بكر لم يمس، والوقت يبدو لا شكل له فيمضيى تائهاً مبعثراً خامداً، فهو ير سدى فوق رؤوس جماهير عاطلة، لا تشعر بقيمة الساعات الضائعة؛ واللون المحلي تغير كله. ولقد أصبح الإنسان الذي يتحرك داخل المنظر الجديد من نموذج اجتماعي يختلف الاختلاف كله عن النموذج الأول.
هنا تنتهي رحلة زائرنا ولا أدري هل سيجعل منها موضوع تأمل ودراسة،
أو هو أتى لمجرد التفسح والتسلية، لا أدري هل توحي له مدن الأكواخ وناطحات السماء بموازنات يستنتج منها بعض الاستنتاجات، إذا عد الكوخ وناطحة السماء أدوات تعريف لبيئتين تختلف فيهما الحياة تمام الاختلاف.
إنني لا أدري كيف سيتصرف في ملاحظاته، لأنني أجهل طرق التفكير لدى
أهل السماء، ولكن لنفترض أن زائرنا أراد أن يتفضل علينا، فترك لنا بجانب الطريق- قبل عودته إلى مقره- كراسة ملاحظاته لنتصرف فيها كيفما نشاء، حسب إدراكنا الخاص لشؤون الأرض وتاريخها.
إنه يمكننا أن نستفيد مما في الكراسة مباشرة، ومما يمكننا استنتاجه من