الأعمال بالنيات)) يعني صحة الأعمال الشرعية إنما تكون بالنيات، يعني ما الفرق بين طالب علم، طالب من طلاب الكتاب والسنة والعقيدة والشريعة وبين طبيب أو مهندس؟ هذا إما أن يكون في أعلى الدرجات أو في النار حسب مقصده وهدفه، وذاك قد يخرج كفافاً لا له ولا عليه، وقد يسيء في مهنته، وفي صنعته فيعاقب عقوبة العصاة، وقد يحسن إلى الناس، ويحسن القصد فيثاب على عمله، فهذه العلوم الدنيوية من طب وهندسة وزراعة ونجارة وصناعة كلها مما لا يبتغى به وجه الله في الأصل أمرها سهل، اطلبها للدنيا لأنها من أجلها أوجدت؛ لكن العلم؟ ينتبه الإنسان لما خلق له وهو العبادة، الهدف من وجوده في هذه الدنيا العبادة، فليحرص على أن يجعل جميع تصرفاته عبادة، نومه عبادة، إذا نوى به أن يتقرب أو يتقوى به على ما يرضي الله -جل وعلا-، أكله عبادة، شربه عبادة، مزاحه عبادة، معاشرة أهله له فيها أجر، وكل هذا بالنية الصالحة، فالنية شأنها عظيم لكنها أمرها خطير، تحتاج إلى تعاهد، فعلينا أن نعنى بها.
((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) ليس لك إلا ما نويت، فالنية يحتاج إليها في العبادة بقصد وجه الله -جل وعلا- بها، ويقصد بالنية أيضاً ما يميّز العبادة من عبادة، وما يميز العادة من العبادة، وهكذا ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه الجملة حذفها البخاري -رحمة الله عليه- في الموضع الأول من صحيحه؛ لأنه إنما أورد الحديث في الموضع الأول كالخطبة للكتاب، فإذا أورد هذه الجملة في الموضع الأول قد يظن به أنه ألف هذا الكتاب مخلصاً فيه لله -جل وعلا-؛ لأن الجملة الأولى:((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا هو المخلص، واقتصر على قوله:((ومن كانت هجرته لدنياً يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) اتهاماً لنفسه -رحمة الله عليه-.