الأصل في الشاهد أن يكون مرضياً كما قال الله -جل وعلا-: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} [(٢٨٢) سورة البقرة] فلا بد أن يكون مرضياً، والرضا إنما يكون بالعدالة، العدالة، وهل تكفي العدالة الظاهرة أو لا بد من العدالة الباطنة التي يحتاج فيها إلى أقوال المزكين؟ مسألة خلافية؛ لكن الحكم بالظاهر هو الأصل، إلا إذا قدح فيمن ظاهره العدالة تطلب تزكيته، فكل ما خرج عن هذا القيد لا يقبل لأنه غير مرضي، فلا تجوز شهادة خائن ولا خائنة؛ لأنه مقدوح في عدالته، ولا مجلود بحد؛ لأنه فاسق بارتكابه الحد، هذا إذا لم يتب، طيب قد يقول قائل: المجلود بحد، والحدود كفارات، هل نحتاج مع هذا الحد إلى توبة؟ لو نظرنا في آية القذف:{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(٥) سورة النور] يعني طلبت التوبة مع الجلد، (إلا الذين تابوا) وهذا الاستثناء المتعقب لثلاث جمل، الخلاف الطويل بين أهل العلم هل يرجع إلى جميع الجمل، أو إلى الأخيرة فقط؟ أو إلى ... كلام طويل لو نفصل هذا ما كفى، (ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً، إلا الذين تابوا) فدل على أن من تاب بعد إقامة الحد عليه تقبل شهادته، ((ولا ذي غمر على أخيه)) يعني ذي حقد وغل على أخيه، ((ولا ظنين في ولاء ولا قرابة)) يعني متهم في شهادته لقرابته أو في مواليه؛ لأنه يحيف معهم، ويميل إليهم ((ولا القانع من أهل البيت)) الخادم في أهل البيت يخدمهم بأجرةٍ أو بمأكله ومشربه، مثل هذا في الغالب متهم، يميل إليهم؛ لكن إذا قلنا: أنها لا تجوز شهادتهم لمن ذكر لا شك أنها تجوز شهادتهم عليهم، فإذا قلنا: أن الأصول والفروع لا تجوز شهادتهم، لا تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه؛ لكن لو شهد على أبيه، أو شهد على ابنه، أو شهد ذي الغمر لأخيه، يعني مسألة عكسية، المنفي في هذا الحديث يجوز عكسه، الظنين المتهم في الولاء والقرابة لا تجوز شهادته له؛ لكن تجوز شهادته عليه، كما تجوز شهادة الأب على ابنه، والابن على أبيه لانتفاء التهمة، والتهمة سبب قوي في القبول والرد.