إنه يجب على الداعية أيضًا أن يكون هو أول من يتخلق بما يدعو إليه.. لأنه إذا كان يدعو إلى حق، فإن من الحمق البالغ أن يخالف ذلك الحق، وإن كان يدعو إلى باطل، فإن ذلك أشد وأقبح، أن يدعو الناس إلى الضلال، وإلى الشر، فحال الداعية إذا كانت مخالفة لدعوته، لا شكَّ أنه مؤثر في دعوته في ألاَّ تقبل، فإن الناس ينظرون إلى الدعاة غير نظرهم إلى سائر الناس، إذا رأوا الداعية يدعو إلى شيء، ولكنه لا يقوم به، فسيكون عندهم شك فيما دعا إليه، أهو حق أو باطل؟! لأنه سيقول المدعو: إذا كان حقًّا فلماذا لا يفعله.. وحينئذٍ يقل قبول الناس له.. مع ما يلحقه من الإثم العظيم في كونه يدعو ولكنه لا يفعل، يقول الله ـ تعالى ـ منكرًا على بني إسرائيل:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة: ٤٤] .
إذن.. فليس من العقل أن يأمر الإنسان غيره بالبر وينسى نفسه.. لأنه إذا كان برًّا، فليكن هو أول من يدعو إليه، هو أول من ينفذه، هو أول من يقوم به، حتى يكون داعية للناس بمقاله وبحاله..
[أن يكون بصيرا بما يدعو اليه]
ومما يجب على الداعية أن يكون بصيرًا بما يدعو إليه، فلا يتكلم إلاَّ بما يعلم أنه الحق، أو بما يغلب على ظنه أنه الحق، إذا كان هذا الشيء الذي يدعو إليه مما يسوغ فيه الظن، أما أن يدعو بجهل؛ فإنه يهدم أكثر مما يبني، مع أنه آثم إثمًا كبيرًا، يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً مَسْؤُولاً}[الإسراء: ٣٦] .