إذا أراد المسلم أن يسدَّ هذا الفراغ في النفوس المتعطشة، النفوس المنتظرة للمسوغات الجديدة ... فيجب أولاً أن يرفع مستواه إلى مستوى الحضارة أو أعلى منها كي يرفع الحضارة بذلك إلى قداسة الوجود، إلى ربانية الوجود، ولا قداسة لهذا الوجود إلا بوجود الله.
والمسلم إذا أتى بهذا لا بلسانه ولا بشطحاته الصوفية، وإنما بوصفه إنساناً معاصراً للناس شاهداً عليهم بالتقى والورع، بنزاهة الشاهد الصادق، الصادق الخبير، الواعي لقيمة شهادته ... إذا أتى المسلم هكذا في صورة الإنسان المتحضر، الذي اكتملت حضارته بالبعد الذي يضيفه الإسلام إلى الحضارة (وهو بعد السماء)، عندئذ ترتفع الحضارة كلها إلى مستوى القداسة، أي إن الوجود الذي فقد القداسة في القرنين الأخيرين خصوصاً في هذا القرن، تعود إليه قداسته لأن القداسة من الله ومن الله وحده ولا شيء يعطي القداسة لهذا الوجود غير الله.