الله عز وجل لا من نفسه، فدرجات القرآن ثلاث، أدناها: أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير: السؤال والتملق والتضرع والابتهال، الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم، الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره (١) . وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين.
العاشر: التبري: وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعيد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصّرين شهد على نفسه هناك، وقدّر أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "اللهم إني
(١) ودليل هذه الدرجات قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" متفق عليه.