١١٥٢ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ بِأَسْمَاءٍ فَقَالَ: " أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُقَفِّي وَالْحَاشِرُ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْمُقَفِّي، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْعَاقِبِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا قَبْلَهُ، وَفِيهِ مِنْ أَسْمَائِهِ اسْمَانِ آخَرَانِ غَيْرُ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا، وَهُمَا نَبِيُّ التَّوْبَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ، وَسَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ زَادَ بَعْضُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ⦗١٨٤⦘ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْهَا؟ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ إِنَّمَا هِيَ أَعْلَامٌ لِأَشْيَاءَ يُرَادُ بِهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَإِبَانَةُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ , وَكَانَتِ الْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: فَقِسْمٌ مِنْهَا تَكُونُ الْأَسْمَاءُ فِيهِ لَا لِعِلَّةٍ، كَالْحَجَرِ وَكَالْجَبَلِ , وَكَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُسَمَّ بِمَعْنًى فِيهِ وَمِنْهَا مَا يُسَمَّى بِهِ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ صِفَاتِهِ: كَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَمْدِ، وَكَأَحْمَدَ مِنَ الْحَمْدِ أَيْضًا، فَكَانَ هَذَانِ الِاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا اسْمَانِ قَدْ ذَكَرَهُمَا اللهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: ٢٩] ، وَقَالَ تَعَالَى فِيمَا كَانَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهِ قَوْمَهُ: {إِنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: ٦] ، فَكَانَ هَذَانِ الِاسْمَانِ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِصِفَاتِهِ سِوَى الْحَمْدِ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْدِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ، فَسُمِّيَ الْمَاحِيَ ; لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْحُو بِهِ الْكُفْرَ , وَسُمِّيَ الْحَاشِرَ ; لِأَنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ عَلَى قَدَمِهِ , وَسُمِّيَ الْعَاقِبَ ; لِأَنَّهُ أَعْقَبَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَسُمِّيَ خَاتَمًا ; لِأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] , وَسُمِّيَ الْمُقَفِّيَ ; لِأَنَّهُ قَفَّى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ , وَسُمِّيَ نَبِيَّ التَّوْبَةِ ; لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تَابَ بِهِ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ عِبَادِهِ , وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١١٧] ، ⦗١٨٥⦘ وَسُمِّيَ نَبِيَّ الْمَلْحَمَةِ ; لِأَنَّهُ سَبَبُ الْقِتَالِ هُوَ الْمَلْحَمَةُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَءُوفًا رَحِيمًا انْتِزَاعًا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُسَمَّى بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا، وَأَنَّ مَا سُمِّيَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَاحِقٌ بِأَسْمَائِهِ الَّتِي قَدْ سُمِّيَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا لَحِقَ بِأَسْمَاءِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ لَمَّا تَتَرَّبَ بِالتُّرَابِ بِقَوْلِهِ لَهُ: " قُمْ يَا أَبَا تُرَابٍ "، قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ: فَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَكَانَ جَائِزًا أَنْ يُذْكَرَ بِبَعْضِ أَسْمَائِهِ , وَلَا يَكُونُ الْقَصْدُ إِلَى بَعْضِهَا دَلِيلًا أَنْ لَا أَسْمَاءَ لَهُ غَيْرَهَا , فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ جَاءَتْ هَذِهِ الْآثَارُ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ مِمَّا فِيهَا , وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute