للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٢٤٥ - وَكَمَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبَعِيُّ أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِح يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ زَيْنَبَ هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ , ثُمَّ لَحِقَ زَوْجُهَا بِالشَّامِ فَأَسَرَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا الْعَاصِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَدْ أَجَرْنَاهُ " , ⦗٢٧٦⦘ وَقَالَ: " يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّ الْجِوَارَ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِوَارِ مِنْ كُلِّهِمْ , فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " يَكُونُ ذَلِكَ إرَادَةً مِنْهُ أَنَّ أَدْنَاهُمُ الْمَرْأَةُ , وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَدْنَاهُمْ هُوَ الْعَبْدُ , وَيَكُونَ لَمَّا كَانَ أَدْنَاهُمْ وَكَانَ أَمَانُهُ جَائِزًا عَلَيْهِمْ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْهُ , وَأَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنْ خِطَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ مِنْ هَذَا إِعْلَامًا لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْجِوَارَ لَمَّا كَانَ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَانَ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَحْرَى. ⦗٢٧٧⦘ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: فَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ ذَلِكَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَعْنَى: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، فَيَكُونُ الْكَافِرُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ الْكَافِرُ غَيْرُ ذِي الْعَهْدِ , وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا , وَمِمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تَقُولُ: الْكَافِرُ الَّذِي لَا يُقْتَلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْكَافِرُ الْمُعَاهَدُ، لَا يُقْتَلُ فِي عَهْدِهِ عَلَى كَلَامٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ , وَبَعْدَ انْقِطَاعِ مَعْنَاهُ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَقْتُلِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ الْمُعَاهَدِ , وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ مُعَاهَدٍ، فَأَمَّا تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ " لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ بِعَهْدِهِ " فَإِنَّا لَا نَرْوِي عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَلَمَّا أَشْكَلَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْنَا وَوَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا تَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِيهِ , أَوْ عَلَى كَلَامٍ مُسْتَأْنَفٍ بِمَعْنَى: وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، فَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ ذَا الْعَهْدِ جَائِزٌ قَتْلُهُ بِمَنْ يَقْتُلُهُ قَوَدًا بِهِ , فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ⦗٢٧٨⦘ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ عَلَى حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا كَانَ فِي عَهْدِهِ , وَلَمَا وَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ فِي عَهْدِهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ فِي عَهْدِهِ إِنَّمَا هُوَ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ بِمَعْنًى خَاصٍّ , وَلَا خَاصَّ فِي هَذَا غَيْرُ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ ; لِأَنَّهُ انْعَطَفَ عَلَيْهِ فَصَارَ الْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُقْتَلَ أَيْ: بِمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُؤْمِنُ الْمَذْكُورُ قَتْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , وَعَادَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " إِلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ , وَذُو الْعَهْدِ كَافِرٌ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْكَافِرُ غَيْرُ ذِي الْعَهْدِ , وَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِمَعْنَاهُ، لَوْ قَالَ: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ، كَمِثْلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] بِمَعْنَى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنِ ارْتَبْتُمْ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ , وَهَذَا قَوْلٌ النَّظَرُ يُوجِبُهُ , وَالْقِيَاسُ يَشُدُّهُ ; لِأَنَّا رَأَيْنَا ذَا الْعَهْدِ حَرُمَ دَمُهُ بِعَهْدِهِ كَمَا حَرُمَ مَالُهُ بِعَهْدِهِ , وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ حَلَالَ الدَّمِ حَلَالَ الْمَالِ , ثُمَّ صَارَ بِالْعَهْدِ حَرَامَ الدَّمِ حَرَامَ الْمَالِ , وَكَانَ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ مَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِي مِثْلِهِ قُطِعَ فِي ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا يُقْطَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إِذَا سَرَقَهُ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْمَالِ بِالْعَهْدِ كَحُرْمَتِهَا بِالْإِسْلَامِ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً , أَوْ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ عَلَى مُنْتَهِكِهَا كَالْعُقُوبَةِ عَلَى مُنْتَهِكِ مِثْلِهَا مِمَّا قَدْ حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الدِّمَاءِ كَذَلِكَ , وَأَنْ يَكُونَ ⦗٢٧٩⦘ الدَّمُ الَّذِي قَدْ حَرُمَ بِالْعَهْدِ كَالدَّمِ الَّذِي قَدْ حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ , وَأَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ بِانْتِهَاكِهِ لِحُرْمَتِهِ بِالْعَهْدِ كَالْعُقُوبَةِ فِي انْتِهَاكِهِ مِثْلَهُ لِحُرْمَتِهِ بِالْإِسْلَامِ , بَلْ قَدْ رَأَيْنَا حُرْمَةَ الدِّمَاءِ فِي هَذَا فَوْقَ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ ; لِأَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْعَبْدَ يَسْرِقُ مَالَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقْطَعُ , وَإِنْ كَانَ قَدْ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ، وَرَأَيْنَاهُ يَقْتُلُ مَوْلَاهُ عَمْدًا فَيُقْتَلُ، فَكَانَ الدَّمُ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْحُرْمَةِ أَغْلَظَ مِنَ الْمَالِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْحُرْمَةِ , وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتِ الْعُقُوبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ الْأَوْكَدِ سَوَاءً , كَانَتِ الْعُقُوبَةُ فِي الْأَوْكَدِ مِنْهُمَا فِيمَا حَرُمَ بِالْإِسْلَامِ وَفِيمَا حَرُمَ بِالذِّمَّةِ أَحْرَى أَنْ يَكُونَا سَوَاءً أَوْ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ فِي انْتِهَاكِ الدِّمَاءِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمِلَّةِ وَبِالذِّمَّةِ سَوَاءً كَالْعُقُوبَةِ فِي الْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ بِالْمِلَّةِ وَالذِّمَّةِ الَّتِي قَدْ جُعِلَتْ سَوَاءً. فَقَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ ذِي الْعَهْدِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ لَهُ: نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>