١٣٩٧ - وَقَدْ حَدَّثَنَا الْهَرَوِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ , قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ الْحَسَنِ , عَنِ الْأَسْوَدِ , عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وَيُنَصِّرَانِهَا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَوَجَدْنَا عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ أَجَازَ لَنَا عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي: حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ , فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُسْلِمُونَ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ مَا وَرِثَاهُ ; لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُمَا كَافِرَانِ وَلَمَا جَازَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُسْبَى فَلَمَّا نَزَلَتِ الْفَرَائِضُ وَجَرَتِ السُّنَنُ بِخِلَافِ ⦗١٦⦘ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَوْلُودٌ عَلَى دِينِهِمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَبَلَغَنِي أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَأْوِيلِهِ , فَقَالَ تَأْوِيلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: " اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ , فَمَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ , وَمَنْ كَانَ عِلْمُهُ فِيهِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا يَمُوتُ كَافِرًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَحَدُ التَّفْسِيرَيْنِ قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ ⦗١٧⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِمَّا جَنَحَ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدٍ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ مِمَّا قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ الْجِهَادُ , وَفِي حَدِيثِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةٍ مِنْ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي هِيَ الْجِهَادُ ثُمَّ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا , وَقَالُوا فِي تَأْوِيلِهِ مَا قَدْ وَصَفْنَا بَعْدَ جَعْلِنَا إيَّاهُ كُلَّهُ حَدِيثًا وَاحِدًا وَأَثْبَتْنَا فِيهِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ اعْتَبَرْنَا مَا جَاءَ مِنْ ذِكْرِ الْفِطْرَةِ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَدْنَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنِ ⦗١٨⦘ الْمَصَادِرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ أَيْضًا: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: ٢٢] أَيِ: الَّذِي خَلَقَنِي , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] أَيْ: مِلَّةَ اللهِ الَّتِي خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا , وَكَذَلِكَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَلَّادٌ النَّحْوِيُّ عَنِ الْمَصَادِرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَكَانَتِ الْفِطْرَةُ فِطْرَتَيْنِ: فِطْرَةً يُرَادُ بِهَا الْخِلْقَةُ الَّتِي لَا تَعَبُّدَ مَعَهَا وَفِطْرَةً مَعَهَا التَّعَبُّدُ الْمُسْتَحَقُّ بِفِعْلِهِ الثَّوَابُ وَالْمُسْتَوْجِبُ بِتَرْكِهِ الْعِقَابَ , وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " يُرِيدُ الْفِطْرَةَ الْمُتَعَبِّدَ أَهْلُهَا الْمُثَابُونَ وَالْمُعَاقَبُونَ فَكَانَ أَهْلُهَا الَّذِينَ هُمْ كَذَلِكَ مَا كَانُوا غَيْرَ بَالِغِينَ مِمَّنْ خُلِقَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] , وَإِنْ كَانُوا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَرْفُوعًا عَنْهُمُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ غَيْرَ أَنَّهُمْ إذَا عَبَّرَتْ عَنْهُمْ أَلْسِنَتُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ إيمَانٍ أَوْ مِنْ كُفْرٍ كَانُوا مِنْ أَهْلِهِ , وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُثَابِينَ عَلَى مَحْمُودِهِ وَغَيْرَ مُعَاقَبِينَ عَلَى مَذْمُومِهِ , كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَمَا يَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهُ لِسَانُهُ " وَلِذَلِكَ ⦗١٩⦘ قَبِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسْلَامَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَأَدْخَلَهُ فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ , وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ خُرُوجَ مَنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالرِّدَّةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنَ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ الْمَنْعَ مِنَ الْمِيرَاثِ مِنْ أَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُشَرِّكَانِهِ " أَيْ: بِتَهْوِيدِهِمَا أَوْ بِنَصْرَانِيَّتِهِمَا أَوْ بِشِرْكِهِمَا فَيَكُونُ سَبْيًا إنْ كَانَ أَبَوَاهُ حَرْبِيَّيْنِ , وَمَأْخُوذًا بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا بِالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ أَبَوَاهُ ذِمِّيَّيْنِ , فَهَذَا عِنْدَنَا تَأْوِيلُ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute