١٥٠٤ - كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ , قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ,
١٥٠٥ - وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى , قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ , قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ , وَمُجَالِدٌ , عَنِ الشَّعْبِيِّ , قَالَ: ⦗١٥٣⦘ أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ , قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: ١٨٧] مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَمَدْتُ إلَى عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِمَا فَلَا يَتَبَيَّنُ لِي الْأَبْيَضُ مِنَ الْأَسْوَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَقَالَ: " إنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ، إنَّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ " أَفَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] حَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي أَرَادَهُ خِلَافُ مَا ظَنُّوهُ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي أَحْمَدَ لَمَّا تَلَا عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلَا ظَنَّا أَنَّهُمَا مِنَ الْمَفْضُولِينَ فِيمَا تَلَاهُ عَلَيْهِمَا فَبَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا بِإِنْزَالِهِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا , وَلَا أَمْثَالَهُمَا مِنْ ذَوِي الضَّرَرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ لَا ضَرَرَ بِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَرَأَهَا مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ وَهُمْ عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ لَا كَمَا قَرَأَهَا ⦗١٥٤⦘ مُخَالِفُوهُمْ: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ) , بِالنَّصْبِ وَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ وَقَدْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ذَهَبَ إلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ: مَعَ ذَلِكَ إنَّ الرَّفْعَ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ , وَكَذَلِكَ كَانَ الْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيَقُولُ: هُوَ عَلَى النَّعْتِ لِلْقَاعِدِينَ، قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ نَعْتِهِمْ كَانَ كَذَلِكَ إعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ لَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: ٣١] فَكَانَ نَعْتُهُ إيَّاهُمْ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْجَرِّ لَا مَا سِوَاهُ وَاللهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ اخْتَارَ: " غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ " بِالنَّصْبِ، فَقَالَ: وَرَوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاحِدٍ ذَكَرَهُمْ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا كَانَ نَزَلَ قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمَا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ , وَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَزَلَتْ مَعًا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَيَكُونَ النَّصْبُ فِيهِ أَوْلَى مِنَ الرَّفْعِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا كَانَ الَّذِي نَزَلَ أَوَّلًا مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: ٩٥] , وَنَحْنُ نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ اللهَ عَزَّ ⦗١٥٥⦘ وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْقَاعِدِينَ بِالزَّمَانَةِ مَعَ النِّيَّةِ أَنَّهُمْ لَوْ أَطَاقُوا الْجِهَادَ لَجَاهَدُوا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُجَاهِدُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا بِقُوَّتِهِمْ وَتَخَلَّفَ الْآخَرُونَ عَنِ الْجِهَادِ بِعَجْزِهِمْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ: اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: ٩٢] ثُمَّ اعْلَمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَى خِلَافِ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: ٩٣] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: ١٧] وَمَنْ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا كَانَ قَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا وَنَسَبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَى أَنَّهُ قَدْ تَعَبَّدَ خَلْقَهُ بِمَا هُمْ عَاجِزُونَ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ نُزُولُ مَا قَدْ تَلَوْنَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا كَانَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] تِبْيَانًا لِمَا كَانَ أَنْزَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ فَضَّلَ عَلَيْهِمُ الْمُجَاهِدِينَ فَكَانَ الرَّفْعُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَا كَانَ مِنَ الِاعْتِذَارِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى حَالِهِ الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا إلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ الرَّايَةَ فِي قِتَالِهِ الْكُفَّارَ فَكَيْفَ لَمْ يَبْذُلْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ⦗١٥٦⦘ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ الْمُسْلِمِينَ فِي يَدِهِ اللِّوَاءُ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ كَانَ مِنْهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَوْمَئِذٍ حَمْلَ الرَّايَةِ، ثُمَّ أَحْسَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ لَمَّا أَحْسَنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرَكَ أَنْ يَتَكَلَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ. وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute