للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٢٦ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ , وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ , حَدَّثَهُمَا أَنَّ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُ , أَنَّهُ. سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أُمِرْتُ بَقَرِيَّةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى , يُقَالُ لَهَا يَثْرِبُ , وَهِيَ الْمَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ " إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . ⦗٨٢⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ بَقَرِيَّةٍ " عَلَى مَعْنَى: أُمِرْتُ بِالْهِجْرَةِ إِلَى قَرْيَةٍ , وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَأْكُلُ الْقُرَى " بِمَعْنَى قَوْلِهِ: يَأْكُلُ أَهْلُهَا الْقُرَى , كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢] بِمَعْنَى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَ أَهْلُهَا آمَنِينَ مُطْمَئِنِّينَ , وَكَانَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ فِي هَذَا كِنَايَةً عَنْ أَهْلِهَا , وَأَهْلُهَا الْمُرَادُونَ بِمَا ذُكِرَ فِيهَا لَا هِيَ , وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: ١١٢] , وَالْقَرْيَةُ لَا صُنْعَ لَهَا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ} [النحل: ١١٢] وَالْقَرْيَةُ لَا كُفْرَ لَهَا , وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: ١١٢] وَالْقَرْيَةُ لَا تُذَاقُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ} [النحل: ١١٣] فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ مُرَادٌ بِهِ أَهْلَ الْقَرْيَةِ لَا الْقَرْيَةَ , كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] بِمَعْنَى: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا , وَاسْأَلْ أَهْلَ الْعِيرِ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا. وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَأْكُلُ الْقُرَى " بِمَعْنَى قَوْلِهِ: تَفْتَحُ الْقُرَى , أَيْ يَفْتَحُ أَهْلُهَا الْقُرَى. وَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَأْكُلُ " بِمَعْنَى: تَقْدِرُ , كَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] لَيْسَ يَعْنِي بِذَلِكَ آكِلِيهَا دُونَ مُحْتَجِبِيهَا عَنِ الْيَتَامَى: لَا بِأَكْلٍ لَهَا , وَكَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦] بِمَعْنَى قَوْلِهِ: تَغْلِبُوا عَلَيْهَا إِسْرَافًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ , وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا , فَيُقِيمُونَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ ⦗٨٣⦘ فِيهَا , فَيَنْتَزِعُوهَا مِنْكُمْ لِأَنْفُسِهِمْ , فَكَانَ الْأَكْلُ فِيمَا ذَكَرْنَا يُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ , لِأَنَّ كُلَّ آكِلٍ لِشَيْءٍ غَالِبٌ عَلَيْهِ , فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَأْكُلُ الْقُرَى " يَعْنِي أَهْلَهَا , هُوَ بِمَعْنَى تَقْدِرُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى , بِافْتِتَاحِ أَهْلِهَا تِلْكَ الْقُرَى , وَغَلَبَتِهِمْ عَلَيْهَا وَعَلَى أَهْلِهَا , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَظْهَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَقَدْ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُفَسِّرُ: " تَأْكُلُ الْقُرَى " بِمِثْلِ مَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَأْكُلُ الْقُرَى " قَالَ: تَفْتَحُ الْقُرَى. فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ , وَاللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>