بِمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيُّ , عَنْ بِسَامٍّ الصَّيْرَفِيِّ , عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: " سَلُونِي قَبْلَ أَنْ لَا تَسْأَلُونِي , وَلَنْ تَسْأَلُوا بَعْدِي مِثْلِي " فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَقَالَ: مَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ , أَمَلَكٌ كَانَ أَوْ نَبِيٌّ؟ قَالَ: " لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا , أَحَبَّ اللهَ فَأَحَبَّهُ , وَنَاصَحَ اللهَ فَنَصَحَهُ , ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَمَاتَ , ثُمَّ بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ , ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ , وَفِيكُمْ مِثْلُهُ ". ⦗١٢٢⦘ وَمِمَّنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ , وَابْنُ أَبِي عُمَرَ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُبَيْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيَّ يَعْنِيَانِ ابْنَ عَائِشَةَ , وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: " إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْهَا " فَقَالَ: أَرَادَ إِنَّكَ كَبْشُهَا وَفَارِسُهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَيْتَهُ: " وَفِيكُمْ مِثْلُهُ " فَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ مِمَّا قَدْ جُعِلَ فِيهِ مِثْلًا لِذِي الْقَرْنَيْنِ. فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مِثْلٌ لِذِي الْقَرْنَيْنِ فِي دُعَائِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَفِي قِيَامِهِ بِالْحَقِّ , دُعَاءً وَقِيَامًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , كَمَا كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ , وَفِيمَا قَامَ بِهِ قَائِمًا وَدَاعِيًا بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْأَشْيَاءُ قَدْ تُشَبَّهُ بِالْأَشْيَاءِ لِشَبَهِهَا إِيَّاهَا فِي مَعْنًى وَإِنْ كَانَتْ لَا تُشْبِهُهَا فِي خِلَافِهِ , كَمِثْلِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] لَيْسَ أَنَّهُنَّ مِثْلُهُنَّ فِي أَنَّهُنَّ سَمَاوَاتٌ , وَلَكِنَّهُنَّ أَرْضُونَ عَدَدُهُنَّ كَعَدَدِ السَّمَاوَاتِ , فَكُنَّ مِثْلًا لَهُنَّ فِي الْعَدَدِ لَا فِيمَا سِوَاهُ , ⦗١٢٣⦘ فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " وَفِيكُمْ مِثْلُهُ " أَيْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ , كَمِثْلِ الَّذِي كَانَ مِنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فِي أُمَّتِهِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ بَعْثَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ بَعْدَمَا ضَرَبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فَمَاتَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ , فَإِنَّمَا لَكَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ " فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأُولَى تَفْجَؤُهُ بِلَا اخْتِيَارٍ لَهُ فِيهَا , فَلَا يَكُونُ مَأْخُوذًا بِهِ , وَلَا تَكُونُ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ , فَهِيَ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ " فَإِنَّ الْآخِرَةَ تَكُونُ بِاخْتِيَارِهِ لَهَا , فَهِيَ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِ , وَمَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ. وَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ يَذْكُرُهُ عَنْ بُرَيْدَةَ , عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَعْضُهُمْ لَا يَذْكُرُ فِيهِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ بُرَيْدَةَ أَحَدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute