للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢١١٧ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ وَالٍ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ , وَبِطَانَةٌ لَا تَأْلُوهُ خَبَالًا , فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ , وَهُوَ مِنَ الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا ". ⦗٣٥٩⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الْآثَارَ لِنَقِفَ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ , فَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ , وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ " عَلَى مَا ذُكِرَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ تَيْنِكَ الْبِطَانَتَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُمَا ⦗٣٦٠⦘ بِهِ فِيهِمَا مِنْ حَمْدٍ وَغَيْرِهِ. فَوَجَدْنَا الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ , فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِتْيَانِهِمْ إِيَّاهُمْ , وَخِلْطَتِهِمْ بِهِمْ حَتَّى يَكُونُوا بِذَلِكَ بَطَائِنَ لَهُمْ , وَتَسْتَعْمِلُ الْأَنْبِيَاءُ فِي ذَلِكَ فِي أُمُورِهِمْ مَا يَقِفُونَ عَلَيْهِ مِنْهَا , فَيَحْمَدُونَ فِي ذَلِكَ مَنْ يَقِفُونَ عَلَى مَنْ يَجِبُ حَمْدُهُ بِظَاهِرِهِ , فَيُقَرِّبُونَهُ مِنْهُمْ , وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ , وَيُبَاعِدُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَقِفُونَ مِنْهُ عَلَى مَا لَا يَحْمَدُونَهُ مِنْهُمْ , وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ , وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُبْطِنُ مِمَّنْ يُعَرِّفُونَهُ مِنْ حَمْدٍ وَمِنْ ذَمٍّ , ثُمَّ يُوقِفُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْبِيَاءَهُ عَلَى مَا يُوقِفُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ بَاطِنِهِمْ , كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ. . .} [التوبة: ١٠١] الْآيَةَ. فَهَذِهِ الْبِطَانَةُ الْمَذْمُومَةُ الَّتِي لَا تَأْلُو مَنْ هِيَ مَعَهُ خَبَالًا. وَالْبِطَانَةُ الْأُخْرَى هِيَ الَّتِي يُوقِفُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى ضَدِّهَا , وَعَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لِنَبِيِّهَا , كَمَا أَوْقَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَا أَوْقَفَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ تَعْزِيرِهِمْ إِيَّاهُ , وَنُصْرَتِهِمْ لَهُ , وَاتِّبَاعِهِمْ لِمَا يَجِبُ أَنْ يُتَّبَعَ بِهِ , كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧] وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِفَاتِهِمْ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] ثُمَّ وَصَفَهُمْ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ بِمَا وَصَفَهُمْ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ الَّتِي أُنْزِلَ ذَلِكَ فِيهَا. فَهَاتَانِ الْبِطَانَتَانِ هُمَا الْبِطَانَتَانِ اللَّتَانِ كَانَتَا مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَلِكَ ⦗٣٦١⦘ الْبَطَائِنُ اللَّاتِي كُنَّ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ قَبْلَهُ. ثُمَّ تَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَهُوَ مِنَ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا " فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا , وَاللهُ أَعْلَمُ , مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ , لَا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ مَعْصُومُونَ , لَا يَكُونُونَ مَعَ مَنْ لَا تُحْمَدُ خَلَائِقُهُ وَلَا مَذَاهِبُهُ. فَقَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتَ وَإِنَّمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ رُجُوعُ الْكَلَامِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِيهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَمِمَّنْ سِوَاهُمْ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ , خُوطِبَ بِهِ قَوْمٌ عَرَبٌ يَعْقِلُونَ مَا أَرَادَ بِهِ مُخَاطِبُهُمْ , وَالْعَرَبُ قَدْ تُخَاطِبُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى جَمَاعَةٍ ثُمَّ تَرُدُّهُ إِلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَقِيَّتِهِمْ , فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] فَكَانَ الْخِطَابَ فِي ذَلِكَ بِذِكْرِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ , وَمَعْقُولٌ أَنَّ الرُّسُلَ مِنَ الْإِنْسِ لَا مِنَ الْجِنِّ , وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: " بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا " وَقَرَأَ آيَةَ الْمُمْتَحِنَةِ وَفِيهَا الشِّرْكُ , وَالسَّرِقَةُ , وَالزِّنَا , وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: ١٢] وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. وَفِيهِ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ " وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ عُوقِبَ بِالشِّرْكِ فَلَيْسَ ⦗٣٦٢⦘ ذَلِكَ لَهُ كَفَّارَةً. وَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا " إِنَّمَا هُوَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِي الْآيَةِ لَا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِيهَا. فَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا: " وَهُوَ مِنَ الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا " يَرْجِعُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ , لَا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ , صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمُ , الَّذِينَ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ. فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَمِيعُ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِنَ الْمَعَانِي الْمُشْكِلَاتِ فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>