للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٧٠ - حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِّيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ - يَعْنِي بِكِتَابِهِ مَعَهُ إلَيْهِ - فَقَبَّلَ كِتَابَهُ، وَأَكْرَمَ حَاطِبًا وَأَحْسَنَ نُزُلَهُ، ثُمَّ سَرَّحَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ مَعَ حَاطِبٍ كُسْوَةً وَبَغْلَةً بِسَرْجِهَا وَجَارِيَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَوَهَبَهَا لِجَهْمِ بْنِ قَيْسٍ الْعَبْدَرِيِّ، فَهِيَ أُمُّ زَكَرِيَّا بْنِ جَهْمٍ الَّذِي كَانَ خَلِيفَةً لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى مِصْرَ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ الْقَارِّيَّ مِمَّنْ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَالَ: إِنَّهُ قَدْ رَآهُ، فَدَخَلَ بِذَلِكَ فِي صَحَابَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ⦗٤٠٤⦘ فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِيَاضٍ هَدِيَّتَهُ، وَعَنِ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ قَبِلَ مِنَ الْمُقَوْقِسِ هَدِيَّتَهُ، وَكِلَاهُمَا كَافِرٌ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ كُفْرَ عِيَاضٍ كَانَ كُفْرَ شِرْكٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُحُودٍ لِلْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَكُفْرَ الْمُقَوْقِسِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُقِرًّا بِالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، وَمُؤْمِنًا بِنَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ عِيَاضٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَطْلُوبِينَ بِالزَّوَالِ عَنْ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَبِتَرْكِهِ إِلَى ضِدِّهِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْإِيمَانُ بِهِ، وَكَانَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَطْلُوبِينَ بِالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِهِ , وَالثُّبُوتِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ عِيَاضٌ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ ذَبَائِحُهُمْ، وَلَا مَنْكُوحَةٍ نِسَاؤُهُمْ , وَكَانَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَأْكُولَةً ذَبَائِحُهُمْ، وَمَنْكُوحَةً نِسَاؤُهُمْ , فَكَانَ الْفَرِيقَانِ وَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ، يَخْتَلِفُ كُفْرُهُمْ، وَتَتَبَايَنُ أَحْكَامُهُمْ , وَكَانَ كُلُّ شِرْكٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ كُفْرًا، وَلَيْسَ كُلُّ كُفْرٍ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ شِرْكًا , وَكَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُجَادِلَ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ ⦗٤٠٥⦘ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: ٤٦] ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُقَوْقِسُ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَجْحَدُونَ كُتُبَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَقَبِلَ هَدِيَّةَ مَنْ أَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُجَادِلَهُ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَحْسَنَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ مِنْهُ، وَرَدَّ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ بِمُنَابَذَتِهِمْ وَبِقِتَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ، فَخَالَفَ بَيْنَ أَسْمَائِهِمْ وَبَيْنَ مَا نَسَبَهُمْ إلَيْهِ، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} [البقرة: ٦٢] وَهُمُ الْيَهُودُ , {وَالصَّابِئِينَ} [البقرة: ٦٢] وَهُمْ أُمَّةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لَهُمْ أَحْكَامٌ سَنَأْتِي بِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ , {وَالنَّصَارَى} [الحج: ١٧] وَهُمُ الَّذِينَ مِنْهُمُ الْمُقَوْقِسُ , {وَالْمَجُوسَ} [الحج: ١٧] وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَجَمِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِبَعْثٍ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَهُمْ فِي الْعَجَمِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فِي الْعَرَبِ إِلَّا فِيمَا يُخَالِفُونَهُمْ فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا، {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: ١٧] وَهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِبَعْثٍ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْأَسْمَاءِ وَفِي الْأَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>