٢٧٩٦ - كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِي أُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْبِلٌ عَلَى صَاحِبِهِ , فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً فَوَاللهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَهُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ , لَقَدْ قَامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ قَالَ: " وَقَدْ رَأَيْتَهُ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. ⦗٢٢٣⦘ قَالَ: " وَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " ذَاكَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " , ثُمَّ قَالَ: " أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ لَرَدَّ عَلَيْكَ " فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ ظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُوَرِّثُ بِهِ الْجَارَ , فَوَجَدْنَا النَّاسَ قَدْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَتَوَارَثُونَ بِالتَّبَنِّي , فَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا وَرِثَهُ دُونَ النَّاسِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَكَمَا تَبَنَّى الْأَسْوَدُ الزُّهْرِيُّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو , وَكَمَا تَبَنَّى أَبُو حُذَيْفَةَ، سَالِمًا , ثُمَّ رَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: ٤٠] وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ أَيْضًا بِالْحِلْفِ حَتَّى رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ⦗٢٢٤⦘ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: ٣٣] فَرَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ أُمُورَهُمْ إِلَى خِلَافِ الْمَوَارِيثِ مِنَ النُّصْرَةِ وَالرِّفْدَةِ وَالْوَصِيَّةِ , وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا مِنْ كِتَابِنَا هَذَا , فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الْمِيرَاثُ يَكُونُ بِالتَّبَنِّي , وَبِمَا ذَكَرْنَا سِوَاهُ فَكَانَ الْجَارُ قَدْ وُكَّدَ مِنْ أَمْرِهِ مَعَ الْجَارِ مَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ أَوِ الْحِلْفِ أَوْ مِثْلِهِمَا , فَلَمْ يُنْكَرْ أَنْ يَكُونَ كَمَا كَانَ الْمِيرَاثُ يَكُونُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ مِثْلُهُمَا أَوْ بِمَا هُوَ فَوْقَهُمَا , فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ قَدْ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ , ثُمَّ نَسَخَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِمَا قَدْ نَسَخَهُ بِهِ , فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ذَلِكَ الظَّنُّ , وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute