وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: " إِذَا كَانَ الْحَمْلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَفَاهَا مِنَ الرَّضَاعِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا , وَإِذَا حَمَلَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَفَاهَا مِنَ الرَّضَاعِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَهْرًا , ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٥] " ⦗٢٩٣⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يُخْرِجِ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ عَنِ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ كَانَ عِنْدَهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَ الْحَمْلُ حَوْلَيْنِ كَانَ الْبَاقِي مِنَ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ , فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ سَأَلَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَأَلَ , فَقَالَ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِصَالُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ , وَأَبْدَانُ الصِّبْيَانِ لَا تَقُومُ بِهَا؟ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَى مُدَّةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْهَا. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُونَ بَعْدَ مُضِيِّ تِلْكَ السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ يَرْجِعُونَ إِلَى لَطِيفِ الْغِذَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَيْشًا لَهُمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنِ الرَّضَاعِ غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذِكْرِ الْحَمْلِ وَالْفِصَالِ فَوَجَدْنَا مِنْهُ الْآيَةَ الَّتِي قَدْ تَلَوْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: ١٤] فَجَعَلَ الْفِصَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْمُدَّةِ عَامَيْنِ. وَوَجَدْنَا مِنْهُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] , فَكَانَ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إِثْبَاتُ الْحَوْلَيْنِ لِلْفِصَالِ فَاحْتُمِلَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْحَمْلَ وَالْفِصَالَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا لَا أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى ⦗٢٩٤⦘ مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُدَّةُ الْفِصَالِ فِيهَا قَدْ تَرْجِعُ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ , ثُمَّ زَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُدَّةِ الْفِصَالِ تَمَامَ الْحَوْلَيْنِ بِالْآيَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ , فَرَدَّ حُكْمَ الْفِصَالِ إِلَى جِهَتِهِ مِنَ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا وَعَلَى تَتِمَّةِ الْحَوْلَيْنِ عَلَى مَا فِي الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ وَبَقِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى , فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا وَأَخْرَجَ مُدَّةَ الْفِصَالِ مِنَ الثَّلَاثِينَ شَهْرًا إِلَى مَا أَخْرَجَهَا إِلَيْهِ بِالْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ , وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فِي ذَلِكَ وَبِمَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ الْمُرَاعَاةُ بِالرَّضَاعِ حَوْلَيْنِ , وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute