للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٠٤٣ - مَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الْجُرْجَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ أَطْمَارًا، فَقَالَ: " هَلْ لَكَ مَالٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ " قَالَ: مِنْ كُلٍّ قَدْ آتَانِيَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ الشَّاءِ وَالْإِبِلِ، قَالَ: " فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ " ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هَلْ تُنْتِجُ إبِلُكَ وَافِيَةً آذَانُهَا؟ " قَالَ: وَهَلْ تُنْتِجُ إِلَّا كَذَلِكَ؟ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: " فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مُوسَاكَ فَتَقْطَعُ آذَانَ بَعْضِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ بُحُرٌ، وَتَشُقُّ آذَانَ أُخَرَ وَتَقُولُ: هَذِهِ صُرُمٌ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " فَلَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ مَا آتَاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ حِلٌّ، وَإِنَّ مُوسَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدُّ، وَسَاعِدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ ". قَالَ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ هَذَا الرَّجُلَ بِمَا خَاطَبَهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ: " إذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِأَنْ ⦗٤٧⦘ يُرَى عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَوْلِيَاءُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ أَنْ لَا مِقْدَارَ لِلدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمَا أَعْطَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ يَكْفُرُ بِهِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ جَزَاءٍ، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ دَارَ جَزَاءٍ لَكَانَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُقِرُّ بِتَوْحِيدِهِ بِذَلِكَ مِنْهُ أَوْلَى، وَبِهِ عَلَيْهِ مِنْهُ أَحْرَى، وَأَنَّ مَا يَجْزِيهِمْ بِتَوْحِيدِهِمْ إيَّاهُ وَعِبَادَتِهِمْ لَهُ؛ إنَّمَا يُؤْتِيهِمْ إيَّاهُ فِي دَارٍ غَيْرِ الدَّارِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، وَهِيَ الْآخِرَةُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: ٣٣] ، أَيْ: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: ٣٣] إلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٣٥] قَالَ: إنَّ جَزَاءَهُ لِلْمُتَّقِينَ عَلَى تَقْوَاهُمْ وَعَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: " وَإِذَا آتَاكَ اللهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْكَ " أَيْ لِيَكُونَ يُعْلَمُ بِهِ مَا آتَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا قَدْ مَنَعَ مِثْلَهُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُوَ عَلَيْهِ , وَمَنْ سِوَاهُ , فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشُكْرِهِ إيَّاهُ بِمَا يَجِدُهُ مِنْهُ مِنْ دُخُولِهِ فِي الدِّينِ الَّذِي دَعَاهُ إلَيْهِ , وَمِنْ تَمَسُّكِهِ بِمَا خَلَقَهُ لَهُ ; لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]⦗٤٨⦘ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ حَرِيًّا أَنْ يَزِيدَهُ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا، وَيَدَّخِرَ لَهُ الْجَزَاءَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ قَصَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فِيهِ , كَانَ بِذَلِكَ كَافِرًا لِنَعْمَائِهِ عَلَيْهِ، مُسْتَحِقًّا بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ مَعَ كُفْرِهِ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ مِنْهُ، فَيَكُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِكُفْرِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، مُضَافًا إلَى عُقُوبَتِهِ إيَّاهُ عَلَى كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ بِهِ، وَيَكُونُ عَلَى ذَلِكَ أَغْلَظَ عُقُوبَةً، وَأَشَدَّ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ مِمَّنْ سِوَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ، مِمَّنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَ تِلْكَ النِّعْمَةِ فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ فِيهِ مَا هِيَ , وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>